الشّمّاس الإكليريكيّ الملفونو جورج فريك
روما ـ إيطالية
georgio.frick@gmail.com
ولد الملفونو جورج فريك في 13/6/1991 في حلب. تتلمذ على يد نيافة المطران مار غريغوريوس يوحنا إبراهيم وأصبح شماسًا خاصًّا لنيافته في إكليريكية مار أفرام السرياني الصغرى في مطرانية حلب منذ عام 2007 ورسمه نيافته شماسًا قارئًا في نفس العام ومن ثم شماسًا رسائليًّا في عام 2011 وخلال هذه السنوات أكمل دراسته الجامعية وحصل على إجازة في علم الاجتماع في جامعة حلب. وفي عام 2015 انتسب إلى إكليريكية مار أفرام السرياني في معرة صيدنايا على عهد نيافة المطران مار بطرس قسيس وحصل على دبلوم في اللغة السريانية والطقوس الكنسيّة وبكالوريوس في اللاهوت. وفي عام 2019 أوفده قداسة سيدنا البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني إلى روما لمتابعة دراساته العليا فحصل على ماجستير في اللاهوت في اختصاص رعوية الشباب من جامعة السالزيان البابوية وما زال يُعد أطروحة الدكتوراه في اللاهوت في ذات الاختصاص والجامعة. يُجيد اللغات العربية والسريانية والإيطالية والإنجليزية. حاصل على الشارة الخشبية الكشفية ووسام الخدمة العامة من كشاف سوريا. درّس مادة اللغة السريانيّة في مدرسة بني تغلب الثانية لمدّة عامين وقد حضر العديد من دورات تأهيل القيادة ومعالجة الصدمات والتنمية البشرية ويهتم في إدارة وتنظيم الأنشطة الرعوية الشبابية في مختلف الأبرشيات السريانية.
عدد صفحات المشاركة 18 صفحة (A4) .
خدمة الشبيبة في مرعيث مار جرجس – حيّ السّريان
مقدمة
في ذكرى مرور مائة عام على هجرة أهل الرها إلى حلب، نجد أنفسنا أمام فصل جديد من تاريخ السريان، وبشكل خاصّ تاريخ مرعيث مار جرجس في حيّ السريان. هذا التاريخ، وبصورة محيّرة، هو عبارة عن مسار طويل ومعقّد من البقاء والصمود. هذا التاريخ سطّره أبناء الرها وعملوا بجدّ على نقل التراث الثقافيّ السريانيّ الرهاويّ إلى الأجيال الجديدة. كيف لا وقد تسلّموه من آباء عظام مثل مار أفرام ومار يعقوب ومار رابولا ومار بالاي وغيرهم من الآباء السريان في الرها، الّذين أغنوا الكنيسة السريانيّة بكتاباتهم وأشعارهم، وأورثوها لأحفادهم حاملين فخر مدرسة الرها في قلوبهم من لغة سريانيّة وألحان شجيّة وتقاليد شعبيّة ومقتنيات كنسيّة ومخطوطات ثمينة، حتّى باتوا منارة تنير دروب الأجيال الصاعدة.
إنّنا إذ نفتخر حقّاً بهذا الماضي اللامع، ننظر نحو مستقبل مشرق من خلال خدمة شبيبتنا الّذين يمثّلون حاضرنا ومستقبل كنيستنا. إنّ خدمة الشبيبة التي نتحدّث عنها في مقالنا هذا تتمثّل في مجموعة الأعمال الّتي تقوم بها الجماعة الكنسيّة بتوجيه من روح يسوع، لتمنح الشباب معنى الحياة والأمل والرجاء. ربّما يكون الكثيرون منّا قد أصبحوا قادة للشبيبة نتيجة لعدم وجود شخص آخر بديل يقوم بهذا الدور أو بسبب طلب قادة الكنيسة منّا شغّل هذا الفراغ. الكثيرون قد لا يتسنّى لهم التفكير بعمق في معنى الخدمة بين الشباب وما هو الدور الحقيقيّ في هذه الخدمة. هذا يجعلنا متجاوبين بدلاً من أن نكون مبدعين في تطوير رؤية لخدمة هامّة.
إنّ خدمة الشبيبة هي أحد أسس إرساليّة الكنيسة والتبشير بملكوت اللّه ونشر الكلمة. لذا، ومن خلال هذه السطور اللاحقة لن نتطرّق إلى حال المراكز والمؤسّسات الّتي تعنى بالشبيبة وأنشطتها في الماضي، وإنّما سنتطلّع إلى مستقبلها، وسنحاول توضيح رؤية لخدمة الشبيبة في حيّ السريان الرهاوي بحلب على اختلاف انتماء الشبيبة: لكشّاف مار جرجس (الفوج السادس)، لمركز التربية الدينيّة، لأخويّة مار غريغوريوس، أم غيرها من الأخويات والمؤسّسات والمراكز الشبابيّة التابعين لها.
الخلفيّة التاريخيّة والجغرافيّة لحيّ السريان بحلب
إنّ مناقشة أيّ فئة اجتماعيّة تتطلّب بالضرورة فهم البيئة الّتي تنتمي إليها هذه الفئة. وبالحديث عن شبيبة حيّ السريان في حلب، يجب أن نلقي الضوء على التأثير الثقافيّ الاجتماعيّ في المحيط البيئيّ الّذي يعيشون فيه. على مرّ العقود، شهد حيّ السريان في حلب تطوّراً ملحوظاً في البيئة الاجتماعيّة والثقافيّة. تأثّرت هذه البيئة بعوامل متعدّدة منها التغيّرات الاجتماعيّة والثقافيّة والاقتصاديّة الّتي شهدتها المدينة والمنطقة عموماً.
في السياق الاجتماعيّ، قد لاحظنا تحوّلاً من الهيكل الاجتماعيّ التقليديّ إلى هياكل أكثر تنوّعاً وتعدّداً. لم تعد العائلات منغلقة على نفسها في الإطار الثقافيّ الّذي جاؤوا منه، بل تأثّرت العائلة والمجتمع بعمليّات الهجرة والاندماج الثقافيّ، ممّا أدّى إلى تشكيل مجتمع متنوّع ومتعدّد الثقافات في حيّ السريان. هذا التطوّر أدّى إلى تفتّح المجتمع وتبادل الثقافات والأفكار بين السكّان المحلّيّين والمهاجرين.
من الناحية الثقافيّة، انعكس التطوّر الاجتماعيّ على التغيّرات في القيم والتقاليد والعادات في حيّ السريان. على الرغم من الحفاظ على بعض التقاليد والموروث الشعبيّ لدى الرهاويّين، لكنّنا شهدنا تبنّي عناصر ثقافيّة جديدة وتكاملها مع العناصر الثقافيّة التقليديّة، ممّا أدّى إلى ظهور ثقافة متنوّعة ومتعدّدة الأبعاد. تطوّرت اللغة والأدب والفنون والموسيقى والطعام والأزياء في الحيّ، وتشكّلت هويّة ثقافيّة فريدة تمزج بين الأصول السريانيّة الرهاويّة والتأثيرات الأخرى1.
أمّا من الناحية الاقتصاديّة، فاشتهر أبناء الحيّ بالحرف والصناعات اليدويّة، واكتسبوا سمعة طيّبة لمهارتهم وإتقانهم لحرفهم. بالإضافة إلى ذلك، دخل العديد منهم مجال البحث العلميّ، وأصبحوا أطبّاء ومهندسين ومحامين وغيرها من الاختصاصات. كلّ ذلك جعل من حالتهم الاقتصاديّة مثالاً يحتذى به خاصّة وأنّهم قد تركوا كلّ ما يملكونه في الرها.
بالإضافة إلى ذلك، تأثّرت البيئة الاجتماعيّة والثقافيّة في حيّ السريان بالتكنولوجيا ووسائل الاتّصال الحديثة. وسمحت وسائل التواصل الاجتماعيّ والإنترنت بتوسيع آفاق الشباب، وزادت قدرتهم على التفاعل والتواصل مع العالم الخارجيّ وتبادل المعرفة والمعلومات.
بشكل عامّ، يمكن القول إنّ حيّ السريان في حلب شهد تطوّراً ملحوظاً في البيئة الاجتماعيّة والثقافيّة والاقتصاديّة على مرّ العقود. هذا التطوّر يعكس التحوّلات الاجتماعيّة والثقافيّة الّتي شهدتها المنطقة، ويساهم في تشكيل هويّة الحيّ وأبنائه وتنمية المجتمع المحلّيّ بشكل شامل.
من هم الشباب؟
الشباب2 هو مفهوم متعلّق بالعمر والزمن. يشير إلى مجموعة من الأفراد في مرحلة معيّنة من الحياة بين الطفولة والبلوغ (النضج)، وهي مرحلة تتضمّن العديد من التحدّيات، بداية من الولادة وصولاً إلى الوفاة. على الرغم من وجود تباين في الآراء الدوليّة حول تحديد عمر الشباب، إلّا أنّ معظم التعاريف تضع نطاقاً يتراوح بين سنّ 18 و29 عاماً. وعلى الرغم من ذلك، تمتدّ هذه المرحلة حالياً إلى فترة أوسع تشمل أعماراً تتراوح بين 14 و15 عاماً إلى 30 و35 عاماً تقريباً.
النادي الصيفي السرياني – مرعيث مار جرجس – 2017
محاضرة في إعداد القادة لخدّام مركز التربية الدينية في مرعيث مار جرجس – 2023
التحدّيات الّتي تواجه الشبيبة في حيّ السريان
تواجه الشبيبة في حيّ السريان في حلب وبشكل عامّ المجتمع المسيحيّ مجموعة متنوّعة من التحدّيات الّتي تعتبر تحدّيات طارئة، وتأتي نتيجة التأثيرات الناجمة عن الصراع الأخير في سوريا. هذا الصراع أثّر إلى حدٍّ بعيد على المجتمع السوريّ بأكمله، الّذي يضمّ مجموعة متنوّعة من الأعراق والثقافات والأديان. نذكر منها:
تحدّي عمر الشباب
اليوم، نعيش في زمن يشهد تمديداً كبيراً في مدى الحياة. هذا التغيّر يجلب تحدّيات معقّدة للشباب والبالغين على حدّ سواء. يتسبّب هذا، نموّ الأطفال بسرعة، وفي الوقت نفسه يمنع البالغون من التحوّل إلى بالغين حقيقيّين. يلاحظ هذا التأثير واضحاً في التجربة التربويّة والروحيّة خلال السنوات الأخيرة3.
قد نجد البالغين الّذين يظلّون يتصرّفون كمراهقين، والمسنّين الّذين يسعون للبقاء شبّاناً إلى الأبد، والأطفال الّذين يتعاملون مع مسؤوليّات تتعدّى قدراتهم العمريّة. بالإضافة إلى الشباب الّذين يواجهون صعوبة في تحقيق الاستقرار الاجتماعيّ والاقتصاديّ والتأقلم مع خيارات الحياة المختلفة الّتي يسعون جاهدين لتحقيقها.
قد يرى بعض البالغين الشباب على أنّهم منافسون أو حتّى “منافسون مسبقين”، وهذا التصوّر يعقّد عمليّة التواصل بين الأجيال. على العكس، يمكن أن يرى الشباب البالغون بصورة سلبيّة وكأنّهم يأخذون دورهم، ممّا يزيد الانقسام بينهم، ويقلّل من التعاون والتفاهم المشترك بين الأجيال.
من المهمّ أن ننظر إلى الشبيبة بروح تشجيع وتفاؤل، وأن نقدّم الدعم اللازم لاكتشاف إمكانيّاتهم وتطويرها. يجب أن نعامل قلوبهم كأراض مقدّسة، حيث تنمو بذور الإبداع والإيمان. إذا اعتمدنا على هذه النهج، يمكن أن نقدّم دوراً بناء كأمّهات وآباء ومعلّمين ومرشدين وقادة للشبيبة في تطويرهم وتحقيق أحلامهم.
لقاء أخوية مار رابولا للجامعيين – مرعيث مار جرجس – 2023
مرافقة الشبيبة
إنّ فئة الشبيبة تحتاج إلى مرافقة روحيّة حقيقيّة وفرديّة تمكّنهم من حمل شهادتهم المسيحيّة بصدق وتولّيها بمرونة. تلك المرافقة يمكن أن تساعد الشبيبة على النموّ كمؤمنين ناضجين وكرسل مبشّرين بكلمة اللّه. حتّى وإن كانت الشبيبة تواجه تحدّيات روحيّة ودنيويّة صعبة، إلّا أنّهم يعيشون بأمل أن تتحوّل هذه التجارب الصعبة إلى فرح وإيمان أقوى (انظر يوحنّا 16: 20). هذه المرافقة تشمل تعزيز هويّتهم المسيحيّة من خلال كلمة اللّه والأسرار المقدّسة. يجب ككنيسة وكمجتمع محلّيّ أن نقدّم للشبيبة الأمل والإشراف والمرافقة الروحيّة المباشرة الّتي تمكّنهم من البقاء راسخين في المجتمعات ذات الغالبيّة المسلمة، وبالأخصّ المجتمعات الّتي تشهد تطرّفاً دينيّاً أو أفكاراً إلحاديّة غريبة، إلى جانب الحفاظ على قيم العدالة والحرّيّة والمساواة والسلام.
في هذا العالم المعقّد والمتغيّر، يجب أن نقدّم للشباب دعماً روحيّاً يساعدهم على التأقلم مع التحدّيات الّتي تواجههم. من خلال توفير المرافقة الروحيّة للشباب في حيّ السريان الرهاوي بحلب، وهذا يتطلّب التعاون بين الكهنة والرهبان والراهبات والقادة الروحيّين والمجتمع المحلّيّ. إنّ المرافقة الشخصيّة للشباب من وجهة نظر الدعوة هي واجب كنسيّ تجاه جميع الشباب وحقّ مقدّس لكلّ شابّ! تماماً مثل يسوع “المرافق الحقيقيّ”، الّذي رافق تلميذي عمواس (انظر لوقا 24: 13-35) في لحظة حزن وارتباك. استمع إليهم، تفهّم مشاعرهم، وسأل عن أحوالهم. بعد ذلك، بدأ في تفسير الكتب المقدّسة لهم، وأشار إلى النبوّات الّتي تتحدّث عنه وعن مصيره، ثمّ شارك معهم وجبة العشاء4.
يمكن تحقيق ذلك من خلال تقديم تدريب للقادة الروحيّين حول تحدّيات الشبيبة الحاليّة وكيفيّة التفاعل معهم بشكل فعّال وفهم احتياجاتهم الروحيّة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تنظيم برامج وأنشطة مخصّصة للشباب لتعزيز التواصل الروحيّ وتعزيز الانتماء إلى الكنيسة. يمكن أيضاً تشجيع إقامة مجموعات صغيرة للشباب تتيح لهم التفاعل والتواصل المباشر. تلك المجموعات يمكن أن تكون بيئة آمنة للشباب حيث يمكنهم البحث في الأسئلة الروحيّة والمشاركة في مناقشات ذات صلة5.
مخيم كشاف الفوج السادس – المقعبرة – 2023
أطفال النادي الصيفي السرياني
الهجرة
لطالما كانت قضيّة الهجرة من بين أصعب التحدّيات الّتي تواجه مسيحيّي الشرق الأوسط. إذ إنّه لأوّل مرّة في تاريخهم الطويل يكون مؤمنو الشرق المسيحيّ في الشتات أكثر ممّا هم عدداً في أوطانهم وكنائسهم الأمّ. ولقد حصل ذلك إثر ظروف سياسيّة واجتماعيّة واقتصاديّة قاهرة. ولطالما كانت الكنيسة السريانيّة الأرثوذكسيّة ومدينة الرها في خضمّ هذه الظروف، قد عانت ما عانته من آفات الهجرة في مطلع القرن العشرين، وذلك بسبب مجازر “ܣܝܦܐ” أو “السيف” بحقّ المكوّنات المسيحيّة في المنطقة6.
وبعد مرور مائة عام على هجرة الرها، شهدنا بداية الهجرة الثانية في بداية عام 2011 نتيجة الصراع الدائر في سوريا. هناك العديد من الأسباب الّتي تدفع الشباب في حيّ السريان الرهاوي في حلب، وغيرهم من الشباب، للنظر في الهجرة. من بين تلك الأسباب:
– الأوضاع الاقتصاديّة: الصعوبات الاقتصاديّة تؤثّر بشكل كبير على فرص العمل واستقرار الشباب المادّيّ. يجدون صعوبة في العثور على فرص عمل مناسبة ومستدامة في مجالاتهم المهنيّة، وذلك إلى جانب صعوبة تلبية الاحتياجات والوصول إلى الخدمات الأساسيّة، ممّا يدفعهم إلى النظر إلى خارج بلادهم لاستكشاف فرص أفضل.
– الاستقرار الأمنيّ: شهدت مدينة حلب صراعات وأزمات أمنيّة مستمرّة، خلقت حالة من الخوف والهلع. ذلك دفع الكثير من الشباب إلى البحث عن بيئة توفّر لهم الأمان والاستقرار، بهدف تحقيق حياة أفضل وأكثر أماناً.
– التحدّيات الاجتماعيّة والثقافيّة: يواجه الشباب تحدّيات في التكيّف مع التغييرات الاجتماعيّة والثقافيّة في سوريا. خاصّة مع ظهور الحركات الإسلاميّة المتطرّفة وتصاعد وتيرة العنف والاضطهاد الدينيّ والتغيّر الديموغرافيّ، فبينما يواجهون صعوبة اجتماعيّة ونفسيّة في الانفصال عن أسرهم وأصدقائهم ومجتمعهم، يجدون أنفسهم مضطرّين للبدء من جديد في بيئة غريبة.
– الطموح والتطلّعات المهنيّة: يبحث الشباب عن فرص لتحقيق طموحاتهم وتطلّعاتهم المهنيّة. يعتقد البعض أنّ الهجرة قد توفّر لهم فرصاً أفضل للتعليم والتدريب والعمل، ممّا يمكّنهم من تحقيق نجاحات شخصيّة ومهنيّة أكبر في بيئة جديدة.
– الرغبة في توسيع آفاقهم واكتساب تجارب جديدة: بعض الشباب يرون في الهجرة فرصة للتعرّف على ثقافات وعادات مختلفة، والتعلّم من تجارب حياة مختلفة. يرون في الهجرة فرصة للنموّ الشخصيّ والتنمية واكتساب المعرفة العالميّة.
بالإضافة إلى ذلك، يلاحظ أنّ عدم وعي الشبيبة الكافي بالمعنى الحقيقيّ لوجودهم وحضورهم في المنطقة، وضرورة الحفاظ على إرث الآباء والأجداد والأرض وعن تنوّعها الإثنيّ والثقافيّ 7 يشكّل سبباً آخر مهمّاً لهجرة المسيحيّين بشكل عامّ والشباب بشكل خاصّ. كثيراً ما تثار الأسئلة الجوهريّة حول حضورهم في أزمنة الحروب والاضطهادات. إذ أنّهم يتساءلون: أين نحن؟ ما هو دورنا؟ ما هي القيمة المضافة لوجودنا؟
إنّ الهجرة تعتبر خياراً صعباً يواجهه الشباب في مرحلة ما. يجدون أنفسهم في مفترق طرق يتطلّب منهم اتّخاذ قرارات مصيريّة بشأن مستقبلهم. وعندما يلجؤون إلى الهجرة، فليس لأنّهم جبناء يرفضون الدفاع عن وطنهم. بل لأنّهم يبحثون عن مكان جديد يمكنهم أن يعيشوا فيه بكرامة وأمان، وليحافظوا على إيمانهم دون قيود. إنّ قرار الهجرة مؤلم، ويؤثّر بشكل كبير على الأفراد والعائلات والكنائس والمجتمعات8، لكنّه يبقى قراراً فرديّاً مصيريّاً يتحمّل تبعاته الشخص نفسه.
مع ذلك ورغم كلّ هذه الضغوطات، من المفيد ذكّره بأنّ الشبيبة السريانيّة الأرثوذكسيّة في حيّ السريان قد أظهرت قدراً كبيراً من الإصرار والعزيمة والصمود في مواجهة هذه التحدّيات، خاصّة في الحفاظ على هويّتهم الثقافيّة والدينيّة، ويسعون لإحداث تغييرات إيجابيّة في مجتمعاتهم ومجالات عملهم.
باختصار، يعدّ تحدّي الهجرة للشباب في حيّ السريان الرهاويّ في مدينة حلب، وخاصّة في الكنيسة السريانيّة الأرثوذكسيّة، مسألة حسّاسة تتطلّب التركيز على توفير الدعم الضروريّ والفرص المناسبة للشباب، وذلك من خلال التركيز على إحداث فرص العمل وتوفير البيئة المهنيّة المناسبة وتشجيعهم على الزواج والمضيّ قدماً في دعمهم نفسيّاً ومادّيّاً واجتماعيّاً، بحيث يمكنهم تحقيق طموحاتهم والمساهمة في بناء مستقبل أفضل لأنفسهم ولمجتمعاتهم. وبالنسبة لأولئك الّذين اتّخذوا بالفعل القرار، وأقدموا على الهجرة، يجب توجيه الدعم الروحيّ والاجتماعيّ لهم ليتمكّنوا من الاندماج في مجتمعاتهم الجديدة دون التفريط في هويّتهم الثقافيّة والإثنيّة9.
الشهادة المسيحيّة للشبيبة في مجتمع يعيش في زمن حرب
إنّ التحدّيات الّتي تواجهها الشبيبة في مجتمعنا خلال هذا الزمن المليء بالحروب والاضطهاد والعنف تمثّل تحدّياً جسيماً لاستقرار إيمانهم الروحيّ. ومع ذلك، فإنّ إيماننا وفقاً لوصيّة السيّد المسيح: “أنتم ملح الأرض، أنتم نور العالم” (متى 5: 13-14) يدعونا إلى تقديم شهادة حيّة في هذا المجتمع، حتّى في هذا الزمن المليء بالحروب.
إنّ هذا التحدّي يفرض مسؤوليّة كبيرة لتقديم شهادة مسيحيّة حقيقيّة لأبناء المجتمع المحلّيّ ولتحقيق ذلك، يجب العمل بجدّ على تعزيز التعاون بين الكنيسة والمؤسّسات والمجتمع المحلّيّ لتوفير الدعم اللازم للشبيبة وتعزيز دورهم في تطوير المجتمع. يجب تقديم فرص تعليميّة وتدريبيّة مخصّصة لتلبية احتياجات الشباب وتعزيز قدراتهم في المجالات المهنيّة والقياديّة. علاوة على ذلك، يجب تعزيز روح المبادرة والإبداع بين الشباب من خلال دعم مشاريعهم الإبداعيّة وتشجيعهم على تطوير حلول جديدة لتحدّيات مجتمعهم. يتوجّب أيضاً توفير بيئة داعمة ومُلهمة للشباب من خلال تعزيز الروابط الاجتماعيّة وتوفير الفرص للتواصل والتعاون بينهم.
تُعدّ الأنشطة الرعويّة الشبابيّة10 في حيّ السريان بحلب نموذج رائع لكيفيّة تمكين الأديان والمجتمعات من العمل سويّاً من أجل إنشاء بيئة تفاعليّة ومتكاملة تعزّز الاندماج الاجتماعيّ، وتقبل التنوّع الثقافيّ والإثنيّ. من خلال تنظيم الفعاليّات والمبادرات وتقديم الدعم اللازم للشباب، لبناء جيل ملتزم بالقيم الإيمانيّة والأخلاقيّة، والقادر على المساهمة في تقدّم مجتمعهم11.
مفهوم خدمة الشبيبة
خدمة الشبيبة ولدت على وجه التحديد كعلم للتفكير في أعمال وخدمة ورعاية الكنيسة لأبنائها، وهي تتعامل بشكل ملموس مع الشباب ونموهم وتعليمهم وتبشيرهم، كرسالة الكنيسة ودعوتها الأساسية. وهي فرع من فروع اللاهوت الرعوي او اللاهوت العملي. تهدف خدمة الشبيبة إلى الاقتراب من الشباب وتقديم التوجيه والتعليم الديني في سياق عالم متغير باستمرار. إنّها وجهة نظر أصيلة تجمع بين الإيمان والحياة، مدركةً أنّ الإيمان يكمّل الإنسان ولا يقوم بإلغائه. هذا المجال يحمل تاريخًا غنيًّا، حيث يجمع بين الشغف والتفكير، مع جذور في التفكير اللاهوتي. بالإضافة إلى ذلك، الرعاية الشبابية هي نهج قريب وداعم، تعزّز فيه الود والتقارب مع الشباب وبشكل مستمر في التكيف والتطوير وفقًا لاحتياجات الكنيسة والعالم.
هذه الفكرة تنتقل إلى مفهوم أعمق وأكثر تطوّراً، حيث تتجاوز خدمة الشبيبة مجرّد خدمة تقليديّة لتصبح شراكة حقيقيّة مع الشباب. وهي تسعى لتمكين الشبيبة ليكونوا جزءاً فعّالاً في الرسالة الكنسيّة وتعزيز فهمهم لدعوتهم الشخصيّة.
سمات خدمة الشبيبة
هنالك سمات كثيرة لخدمة الشبيبة قد اخترنا عدداً منها بما يتناسب مع بيئة ومجتمع مرعيث مار جرجس في حيّ السريان في حلب.
خدمة الشبيبة كـ “أسلوب القرب”
بشكل ملموس، يعتبر الجانب الأوّل والأكثر أهمّيّة في العمل الرعويّ مع الشبيبة هو التقرّب منهم، ومشاركتهم، وتقديرهم وفهم عالمهم. إنّها طريقة لتجسيد الكنيسة في عالم الشبيبة الحاليّ. بناء على فهمنا لتجربة اللّه معنا، وتجسّده، اللّه الّذي أصبح قريباً من الإنسان. تهدف خدمة الشبيبة على تعزيز التواصل والقرب، وتطوير الصداقة والشراكة مع الشباب في كلّ جانب من جوانب العمل الرعويّ.
في الواقع، يجب دائماً التأكيد على القرب كنقطة انطلاق في العمل الرعويّ مع الشباب. ولكنّ هذا التقرّب ليس مجرّد اقتراب تضامنيّ. بل يجب أن نتطلّع للانتقال خطوة إلى الأمام نحو مستوى أعمق. إنّ فهم القرب يبقى ضروريّاً، ولكنّه ليس كافياً لشرح الكمال المسيحيّ، الّذي يتجلّى بوضوح من خلال تفاني اللّه نحو التواصل مع البشر. لذلك، يجب أن نفهم مفهوم أسلوب القرب بمفهوم رعويّ، بدءاً من تعريف قيمة العطاء والتضحية الأساسيّة الّتي قدّمها يسوع المسيح للبشر على الصليب. هذا يمكن أن يكون أساساً قويّاً لجميع الجوانب الروحيّة والتعليميّة. العمل التعليميّ والتبشيريّ بين الشباب يتطلّب وجود معلّم أو مرشد مستعدّ، تماماً مثل يسوع المسيح، ليس فقط للوقوف بجانب الشباب أو لنقل رسالة جيّدة. بل يجب أن يقدّم نفسه كتضحية ليجعل القلب والروح والجسد جميعاً عاملين في التعبير عن حبّنا للشباب. بدون هذا العنصر، لن تكون هناك خدمة حقيقيّة للشباب، بل ستكون مجرّد أنشطة ترفيهيّة أو تسلية ثقافيّة، ولن يكون هنالك تبشير حقيقيّ بالكلمة، بل ستكون مجرّد نقل لأفكار الإنجيل. ولن تكون هناك تربية حقيقيّة، بل ستكون مجرّد تعاون ولطف وتعاطف.
في خدمة الشبيبة، قد يبدو للبعض أنّ الكنيسة تتحدّث كثيراً عن اللّه، ولكنّها تتحدّث قليلاً مع اللّه. نعمل في الواقع حيث يعيش الشباب. لا يمكننا أن ننشغل بالروحانيّة بدون العمل الرعويّ، ولا يمكن للعمل الرعويّ أن يكون فعّالاً بدون الروحانيّة. لذا يجب أن نكون تلاميذ الربّ قبل أن نكون رسله. يجب أن نفهم معنى التجسّد، حيث يشمل القرب والمشاركة والتضامن الكامل مع الشباب مركز اهتمامنا الرعويّ. إنّه “اللّه القريب” من شعبه، وهذا يبلغ ذروته في التجسّد. إنّه اللّه الّذي يخرج للقاء شعبه، هكذا على الكنيسة أن تخرج للقاء الشبيبة، وتبحث عنهم في أماكنهم حيث يتواجدون.
وهذا التقرّب الّذي يزيل أيّ مسافة آمنة بين الشبيبة ومرشديهم يجب أن يتمّ تعزيزه بالعفّة. فالعفّة هي فضيلة حاسمة لكلّ مرّبٍ، يجب تنميتها من خلال النضوج والتوازن العاطفيّ، كشرط للقدرة على رؤية اللّه في كلّ شابّ.
مبادرة زيارة جمعية يداً بيد لذوي الاحتياجات الخاصة والتأخر
مبادرة زيارة جمعية يداً بيد لذوي الاحتياجات الخاصة والتأخر الذهني – 2017
خدمة الشبيبة باعتبارها “حدوداً” متحرّكة
الشبيبة لا يظلّون على حالهم أبداً، بل هم حدود في حالة تحرّك دائم. حالتهم تشبه حالة جهاز قياس الزلازل المعاصر والموظّفين الّذين يرصدون ويتوقّعون الاهتزازات باستمرار. لذلك، البحث النظريّ المستمرّ والتفاعل المستمرّ مع عالم الشباب يمثّلان ضرورة أساسيّة لخدمتهم.
على سبيل المثال، أصبح من الضروريّ جدّاً اليوم معرفة عالم الإنترنت الّذي يستخدمه الشباب بكثرة. كما أنّ دراسة تأثيرات التعدّد الثقافيّ العالميّ على نموّ الشباب ضروريّة أيضاً، بالإضافة إلى أهمّيّة فهم واقع الأسرة في الزمن الحاليّ. هذه الحدود وغيرها تحفّز وتطرح تحدّيات أمام خدمة الشبيبة لتقديم طرق جديدة لجلب الشباب إلى اللّه ولجلب اللّه إلى الشباب. لذا، يجب دائماً على خدمة الشبيبة تطوير المناهج والأساليب لمواكبة تطوّرات الشباب ومواكبة التحدّيات الّتي يواجهونها12.
خدمة الشبيبة “مكان” للاجتماع
ممارسة خدمة الشبيبة تكمن في تطبيقها في حياتهم اليوميّة، وهي تعتمد على الأماكن والأوقات المحدّدة الّتي يمكن أن تستخدم فيها. يمكن تحقيق خدمة الشبيبة من خلال ممارسة رعويّة تشير إلى مؤسّسات عامّة أو مخصّصة خصّيصاً للشباب، أو انتماءات إلى مجموعات أو جمعيّات مدنيّة وكنسيّة.
تصبح المساحة مكانًا عندما يكون هناك ما يحددها: هذا التحديد يمكن أن يكون جغرافياً، أو جيولوجياً، أو بيئياً، أو عرقياً، أو اجتماعياً …الخ. العناصر التي يجب أن تكوّن المكان هي: الهوية (النمو)، العلاقة (اللقاء)، الزمن (بناء القصة). إنّ السمة النموذجيّة للمكان الذي يجب أن يكون مفرزاً للشباب هي نسج هذه العناصر الثلاثة معًا في تجربة واحدة.
يمكن أن نبدأ بالنظر في الأسرة، والّتي نعتبرها المكان الأصليّ لخدمة الشبيبة. لذا، فإنّ الاعتراف بأنّ النقطة الدقيقة الّتي يجب التركيز عليها لإعادة تصميم الرعاية الشبابيّة هي رعاية أسريّة تستحقّ هذا الاسم، سواء عندما يتعلّق الأمر بمرحلة الدخول إلى فترة الشباب أو الخروج منها. يجب أن نفهم أنّ الأسرة تؤثّر بشكل كبير على الأفراد الّذين ينضمّون إلى الفئة العمريّة الّتي تهمّ الرعاية الشبابيّة. من جهة أخرى، عندما ينهو الأفراد مرحلة الشباب، غالباً ما يطلب منهم أن يعيشوا دعوتهم المسيحيّة من خلال تكوين أسرهم الخاصّة. لذا، من الطبيعيّ أن نعتقد أنّ مهمّة خدمة الشبيبة هي تمكين الشباب من تحمّل مسؤوليّة حياة البالغين الّتي تتجسّد بشكل أساسيّ في تولّي مسؤوليّة أسريّة13.
ثمّ هناك وسائل الإعلام الاجتماعيّة الّتي أثبتت نجاحاً كبيراً في جذب الشباب إلى حدّ بعيد. لكن يجب أيضاً التركيز على التعليم والتفكير النقديّ للشباب، والّتي يتمّ تقديمها من خلال منصّات التواصل الاجتماعيّ. إنّ الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعيّ ليس لديها وعي بأنّها تأتي من منظور تعليميّ دينيّ، ولكنّها في الواقع تمثّل منصّة تعليميّة بمرحلة تأثير كبيرة واهتمام كبير للرعاية الشبابيّة. يمكن أن يكون الإنترنت مكاناً جديداً لتبشير الشباب، لبساطة الأمر بأنّهم يستخدمونه بانتظام. التواصل الاجتماعيّ يعتبر، بشكل أكثر من أيّ وقت مضى، “حدود جديدة” لخدمة الشبيبة مع تحدّياتها وفرصها. يمكن استغلال الوسائل الرقميّة في الإعلان عن الإنجيل على نحو أساسيّ. ولكن لا يكفي فقط امتلاك مهارات تقنيّة، إنّما يجب أيضاً أن يتمّ التفاعل مع الأشخاص الحقيقيّين وتقديم أسباب حقيقيّة للأمل. الإعلان يتطلّب علاقات إنسانيّة حقيقيّة ومباشرة للتحوّل إلى لقاء شخصيّ مع الربّ.
وثمّة المكان الكنسيّ، إنّه المكان الّذي يُعتبر مركز كنسيّ واجتماعيّ مصمّم خصّيصاً لخدمة الشبيبة وتطويرهم من النواحي الروحيّة والاجتماعيّة والثقافيّة. إنّه مكان يوفّر بيئة آمنة وداعمة حيث يمكن للشبيبة التعلّم والنموّ والمشاركة في أنشطة متنوّعة تسهم في تطويرهم كأفراد وأعضاء في المجتمع. يعمل هذا المكان على تقديم الدعم الروحيّ والتعليميّ والاجتماعيّ والثقافيّ للشبيبة بطرق تجعلهم أفراداً ناضجين ومسؤولين. إنّه يشجّع على التعلّم وتطوير المهارات بشكل إيجابيّ ويعزّز قيماً مثل التعاون والخدمة المجتمعيّة. يمكن أن يكون أيضاً مكاناً لتعليم القيم والأخلاق والإيمان الدينيّ، ويمكن أن يكون أيضاً مكاناً للمرح والترفيه. إنّه يشجّع على التفاعل الاجتماعيّ، ويساعد على بناء علاقات إيجابيّة بين الشبيبة ومع المجتمع الأوسع.
ليس هناك أيّ شكّ أنّ التعليم والجامعة بشكل خاصّ هي المكان الثقافيّ الطبيعيّ لخدمة الشبيبة. يجب التأكيد على أهمّيّة التعليم وخاصّة الجامعة على أنّهما المؤسستان المخصصتان لتكوين الشباب وإعدادهم للمشاركة في الحياة بوصفهم بالبالغين المسؤولين والأشخاص الملتزمين. الأمور الثقافيّة تظلّ جزءاً مهمّاً يجب التركيز عليه في خدمة الشبيبة. الشباب دائماً موجودون ونشطون في هذا الجانب، ومن ثم يجب أن نراعي ذلك14.
لا يمكن تجاهل أيضاً دور الشباب في العالم الاجتماعيّ والمدنيّ من خلال المشاركة في العمل الاجتماعيّ، النشاط السياسيّ، الجمعيّات والعمل التطوّعيّ. تقدّم خدمة الشبيبة بشكل عامّ الفرص للشباب ليكونوا عنصراً فعّالاً ومسؤولاً في المجتمع. العمل والمساهمة في تحقيق الرفاهية الاجتماعيّة والتضامن في هذه المجالات تشكّل ممارسة للمحبّة والتضامن الإنسانيّ15.
يجب أيضاً أن نلقي الضوء على الأماكن الّتي تعاني من الفقر والصعوبات، والعنف والاعتداء، والسجون. هذا موضوع واسع وحسّاس، ويتطلّب التعامل معه بإعداد جيّد وبعض الخبراء. ومع ذلك، في الواقع، يتعرّض معظم العاملين في خدمة الشبيبة للتعامل مع مواقف حيث يعاني الشباب من صعوبات أسريّة، وأحياناً يتعيّن عليهم التعامل مع العنف بين الشباب أو بين الشباب والبالغين. بعض الأحيان يتعيّن عليهم التعامل مع الإساءة الجنسيّة أو الأنواع الأخرى من الإساءة، وفي بعض الأحيان يجب التعامل مع الشباب الّذين عاشوا تجربة الجريمة والسجن. هذه المواقف تتنوّع بشكل كبير وتتطلّب معالجة خاصّة حيث يجب أن تسود المرونة والاستماع والقدرة على قراءة الواقع من قبل الأفراد الروحيّين.
وأخيراً، هناك موضوعات الصحّة والمرض والموت للشبيبة. من الناحية الروحيّة، تطرح هذه الوضعيّات تحدّيات ليس فقط في مجال التعليم والوقاية، ولكن أيضاً في توجيه الرعاية والاهتمام بهذه الحالات، الّتي لا تزال جزءاً من العمل الروتينيّ لخدمة الشبيبة. القدرة على التعامل مع الشبّان الّذين يواجهون العقبات المختلفة بسبب الإعاقة أو الإصابة بأمراض خطيرة، ومن ثمّ عقد الاجتماعات والتعاون مع الشباب في مواجهة موت شابّ في محيطهم المدرسيّ أو الكنسيّ، تشكّل تحدّيات تتطلّب معالجة فرديّة تركّز على التواجد والاستماع وقراءة الواقع بروح دينيّة.
إنّ خدمة الشبيبة تتعدّى مراكز العبادة والمجتمعات والأماكن الّتي تقدّم للشباب الفرصة للمشاركة والنموّ والتطوّر. تعمل من خلال مجموعة متنوّعة من الأوساط والمكانيّات الّتي تتيح للشباب التفاعل والتعلّم والنموّ بمرافقة دينيّة16.
الصلاة الصباحية لأطفال النادي الصيفي السرياني – كنيسة المنديل – 2016
لقاء حول مواضيع من الكتاب المقدس والتنشئة الروحية لاطفال النادي الصيفي السرياني
الصلاة الصباحية لأطفال النادي الصيفي السرياني – كنيسة المنديل – 2016
خاتمة
في الذكرى المئويّة لهجرة أهل الرها إلى حلب، نجد أنفسنا في حيّ السريان مار جرجس أمام تحدّ جديد في تاريخ السريان وخدمة شبيبته. نحن متعطّشون للمضيّ قدماً في هذا المسار المعقّد من البقاء والصمود، حاملين معنا تراثنا الثقافيّ والروحيّ السريانيّ الرهاوي بكلّ اعتزاز. نحن نعيش في عالم متغيّر بسرعة، وهناك تحدّيات كبيرة تواجه شبيبتنا. ولكن بالنظر إلى تاريخنا وإرثنا، يمكننا أن نشعر بالثقة في قدرتنا على بناء مستقبل أفضل لشبيبتنا.
خدمة الشبيبة ليست مجرّد واجب، بل هي رسالة ورؤية تجمعنا ككنيسة ومجتمع. يجب علينا أن نكون مبدعين في تطوير رؤيتنا لهذه الخدمة، وأن نكون مستعدّين لمواجهة التحدّيات بشكل إيجابيّ. إنّ خدمة الشبيبة تمثّل واحدة من أسس إرساليّة الكنيسة وفرصتنا لنكون أضواء تضيء طريق الشباب وتلهمهم.
نحن ملزمون بالعمل معاً كمجتمع وككنيسة لمساعدة شبابنا على التغلّب على التحدّيات وبناء مستقبل أفضل. لا يمكن أن نغفل عن دورنا كقادة في هذا المجال. يجب أن نكون أكثر من مجرّد متجاوبين مع الظروف، يجب أن نكون مبدعين وملهمين للشباب. فلنتّحد معاً لبناء جيل متميّز، يحمل راية هويّته السريانيّة والمسيحيّة بفخر، ويبني مستقبله بإيمان وأمل.
إنّ مستقبل حيّ السريان في حلب يتوقّف على كيفيّة خدمتنا لشبيبتنا واستثمار طاقاتهم وإمكانيّاتهم. إنّها رسالة نبيلة وجميلة تستحقّ كلّ جهدنا واهتمامنا.
صور وذكريات
النادي الصيفي السرياني – مرعيث مار جرجس – 2019
النادي الصيفي السرياني – مرعيث مار جرجس – 2018
مخيم كشاف الفوج السادس – المقعبرة – 2023
رحلة الفوج السادس إلى دمشق – 2017
الحواشي
- نذكر على سبيل المثال: التأثر اللغوي، فالشعب الرهاوي جاء إلى حلب متحدّثًا اللّغات السريانيّة والتركيّة والأرمنيّة فتأثر باللّغة العربيّة التي كانت سائدة في حلب فامتزجت اللغات وأصبح لديهم لهجة محليّة خاصّة. هنالك عامل آخر وهو الطهي والطعام إذ نلاحظ امتزاج أنواع الطعام بين ما هو موروث شعبي رهاوي وبين المطبخ الحلبي. العنصر الآخر وهو الأزياء فقد لاحظنا تأثرًا واضحًا في طريقة تغير نمط اللباس لدى الشعب الرهاوي ليصبح أقرب إلى نمط لباس السكان المحليّين.
- تُستخدم كلمتي “الشباب” و”الشبيبة” للإشارة إلى الفئة العمرية الشابّة، ولكن هناك بعض الاختلافات الدقيقة في المفهوم بينهما:”الشباب”: عادةً ما تُستخدم كلمة “الشباب” للإشارة إلى الشباب بشكل عام، بما في ذلك الأفراد في الفترة من المراهقة حتى منتصف العمر. يُمكن استخدام “الشباب” للإشارة إلى فئة عمرية أو لتشمل الشباب من الجنسين. “الشبيبة” غالباً ما تُستخدم للإشارة إلى الشباب في سياقات أكثر تحديدًا، مثل المجتمعات الدينية أو منظمات شبابية. يمكن أن تعبر كلمة “الشبيبة” عن فئة عمرية محددة من الأشخاص في سن معينة. تجدر الإشارة إلى أن استخدام هذه الكلمتين يمكن أن يختلف من ثقافة لأخرى، وقد تُستخدم بشكل متباين في بعض المجتمعات أو اللهجات.
- إنّ واقع الهجرة الأخيرة في حي السريان فرض تحدٍّ كبير فيما يتعلّق بخدّام مركز التربية الدينية أو قادة كشاف مار جرجس، إذ أنّ تواتر هجرة الشباب خلال المرحلة العمرية الجامعية جعل هنالك نقصاً حادّاً في قادة ومرشدي الشبيبة، وهذا بالتالي فرض تحدٍّ كبير أمام إدارة المركز والكشاف فاستعانوا بالمرحلة العمرية الثانوية كمساعدين ومرشدين وهذا بدوره جعلهم يتحمّلون مسؤولية أكبر بكثير من عمرهم الحقيقي.
- إنّ حدث تلميذي عمواس يمكن أن يكون مثالاً بارزاً على المرافقة الروحيّة للشبيبة بسبب الطريقة التي تفاعل فيها يسوع مع التلميذين وكيف كانت هذه التجربة تساعد في تنميتهم روحيّاً. وذلك من خلال: الاهتمام الشخصي: أظهر يسوع اهتماماً شخصيّاً بالتلميذين. عندما سارا معه في الطريق، كان يسوع يستمع إلى همومهم ويحاول فهمهم. يوضّح هذا كيف يمكن أن يكون للمرافقة تأثير روحي إيجابي عندما نصغي للشبيبة ونشاركهم همومهم ونُظهر لهم اهتماماً فرديّاً خاصّاً. التعليم والتوجيه: لم يكن يسوع رفيقاً فحسب بل كان معلماً أيضاً. على طول الرحلة، شرح لهم الكتب المقدسة وكيف ينبغي أن تتحقق نبوءاتها من خلاله. ويبين هذا كيف يمكن للمرافقة الروحيّة أن تكون مصدرًا للتوجيه والتوعية والإرشاد الروحيّ. الكشف عن هويته الروحيّة: في لحظة كسر الخبز، تم فتح أعينهم وتم الكشف عن هويّة يسوع المسيح. يمكن أن يشهد حدث تلميذي عمواس كيف يمكن للمرافقة الروحية أن تساعد الشبيبة في فهم هويتهم الروحية وعلاقتهم مع الله. الدعوة: تتمثل المرافقة الروحية في تحفيز الشباب على فهمهم لدعوتهم الروحيّة الخاصة وبالتالي جعلهم رسلاً ومبشرين بالكلمة.
- Cfr. Rossano SALA, Pastorale giovanile vocazionale. L’invito sinodale a qualificare vocazionalmente il nostro impegno educativo-pastorale, in «Note di pastorale giovanile» 3 (2017) 2-4.
- “ܣܝܦܐ” أو “السيف”، هو المصطلح الذي يُستخدم بشكل شائع للإشارة إلى المذابح واسعة النطاق التي تعرض لها السريان وغيرهم من المسيحيين في شرق وجنوب تركيا في عام 1915 وخلال الحرب العالمية الأولى وما بعدها. كانت الخسائر للمجتمعات الناطقة باللغة السريانية هائلة، إذ قد تمّ القضاء على ثمانية من أصل عشرين أبرشية للسريان الأرثوذكس بشكل كامل أو إلى حد كبير. انظر:
H. TAKAHASHI, «Sayfo», in Gorgias Encyclopedic Dictionary of the Syriac Heritage, S. BROCK – A. BUTT – G. KIRAZ – L. ROMPAY (edd.), New Jersey, Gorgias Press, 2011, 361.
- يؤكد المطران مار غريغوريوس يوحنا إبراهيم في كتابه رؤية مواطن: «نحن هنا (في الشرق الأوسط) مواطنون، لسنا غرباء، أو لاجئين، أو وافدين
من مكان بعيد، بل نحن ورثة من كانوا هنا قبل المسيحية والإسلام، وبلاد المشرق بالذات عرفت الكثير من الاضطهادات، وقدّم المسيحيون أفواجاً من الشهداء، ولكن دماءهم روت الأرض الطيبة فأعطت ثمارًا يانعة منها عدم الاستسلام، خاصة وأن العالم اليوم يدافع عن حقوق الإنسان، والكرامة الإنسانية،
والعدالة، وحرية المعتقد، ويقف بقوة ضد الاضطهاد، والعنف، والإرهاب وغيرها من الدروب التي تؤدي إلى زرع الفتنة بين الإنسان وأخيه الإنسان». إبراهيم، رؤية مواطن، حلب، دار ماردين، 2023، 32. - لمزيد من المعلومات حول تاريخ الهجرة والشتات وأين ينتشر السريان حول العالم راجع: TAKAHASHI, «Diaspora», in Gorgias Encyclopedic Dictionary of the Syriac Heritage, 119-122; لمعلومات عن حضور المسيحيين في الشرق راجع: م. السمّاك، الإسلام ومسيحيو الشرق، جونيه، المكتبة البولسية، 2012، 132-142.
- تُعد التجمّعات الشبابيّة الرهاويّة في اوروبا اليوم مثال واضح على كيفيّة إعادة إحياء الانتماء والتواصل والحفاظ على الهوية السريانية الرهاوية في المجتمعات الغربية وذلك عبر اللقاءات والأنشطة والتواصل الاجتماعي وضرورة ربط تلك المجموعات مع أبناء حي السريان في الوطن
- تعتبر الأنشطة من الأدوات الناجحة لمواجهة التحدّيات فالشبيبة تحتاج لمكان يحتضنهم ويحميهم من الفراغ والعادات السيئة، وهذا واجب الكنيسة أن تجمع الشبيبة وتحميهم لينموا في الحكمة والقامة عند الله والناس (لو 2: 52). إنّ دور الأنشطة الكنسية تتمثل في تصحيح فكر الشبيبة وحمايتهم من كل انحراف وتأتي أهمية الأنشطة من كونها المجال الحيوي الذي تُعاش فيه خدمة التعليم فتصبح سلوكًا عمليًّا وخبرة مُعاشة تجعل الشبيبة قادرة على الشهادة للمسيح أمام الناس.
- لعل أبرز مثال على ذلك هو ما قمنا به من مبادرات مجتمعيّة إنسانيّة في النادي الصيفي السرياني في حي السريان خلال أعوام 2017-2019، إذ تعدّدت هذه المبادرات المجتمعية لتشمل: زيارة مرضى أطفال السرطان، دور الأيتام، ودور المسنين، أطفال التوحّد وذوي الاحتياجات الخاصة، المرضى في المشافي العامة والخاصّة، مبادرات تنظيف الحدائق والشوارع، تكريم عمّال النظافة وغيرهم من الفئات الخدميّة، مساعدة المحتاجين وزرع الورود والنباتات ودهن الأرصفة، زيارة دار الكتب الوطنية والمكتبات. كل تلك المبادرات الإنسانيّة المجتمعيّة تزرع في نفوس الشبيبة محبة الآخر والقريب والدعوة للاهتمام بالفئات المستضعفة وتعلّم شكر الله على نعمه، وتعزيز الوعي الاجتماعي وتنمية القيّم والأخلاق والروح الوطنيّة. وذلك بهدف بناء جيل واع وملتزم وصاحب مسؤولية أمام الله والمجتمع والكنيسة والوطن. لمزيد من التفاصيل عن المبادرات انظر في صفحة النادي السرياني في حلب على الفيس بوك: https://www.facebook.com/SCAleppo
- هذا يتطلّب بالضرورة تحديث وتطوير المناهج التي تُعنى باحتياجات الشبيبة والتي تستخدمها المراكز الرعوية الشبابية وذلك تلبية لاحتياجات الشبيبة في الزمن المعاصر.
- من المفيد ذكره في هذا الصدد ما تقوم به عائلات مرعيث مار جرجس في حي السريان عبر مركز الخدمة الاجتماعية، فوجود هذه العائلات التي وزّعت بمهام خاصة لكل منها مثال عائلة الرجاء للاهتمام بالمسنين وعائلة محبي الكنيسة ومحبي اللغة ومحبي التربية المسيحية وغيرها كل ذلك يجعل من الأسرة أهمية مميزة خاصة في تكوين اسر مسيحية شابّة تتابع دعوتها ورسالتها المسيحية ضمن الكنيسة والمجتمع
- وفي المجال التعليمي لا يمكننا أن ننسى الدور الهام الذي تلعبه مدرسة بني تغلب الثانية عبر توجيه وتعليم أبناء المرعيث ليس فقط على المستوى العلمي وإنّما الأخلاقي المسيحي بما في ذلك من زرع القيم والأخلاق المسيحية الأصيلة لتكوين شبّاناً ملتزمون برسالتهم المسيحية أولاً ومن ثم تكوينهم عائلات ناشئة على المبادئ الإنسانية الصحيحة.
- إنّ ما قام به كشاف الفوج السادس في حي السريان خلال سنوات الحرب الأخيرة وبالأخص أثناء المحن والكوارث كزلزال 6 شباط مثال على هذا التضامن والمحبّة الإنسانيّة، إذ قام بعدّة أنشطة مجتمعية لتلبية حاجات المجتمع والتضامن الأخوي مع المحيط وهذا ما ينمّي روح التعاضد والأخوّة بين الكشافين والمجتمع المحلي وذلك عبر تنظيم الأنشطة وتقديم الدعم للمحتاجين، إذ أظهر الكشافين الاستعداد للتحرك والتدخل في سبيل تحسين الوضع المحلي. ويُعتبر هذا من أبرز أشكال التضامن والتعاون الاجتماعي. وهذا بدوره يُبرز القيم الأساسية للحركة الكشفية، مثل التعاون، والمساعدة، والتفاني في خدمة الآخرين. هذه التجارب تشكل نموذجًا حيًا يُظهر كيف يمكن للشباب أن يكونوا عامل تأثير إيجابي في مجتمعاتهم وكيف يمكن للقيم الكشفية أن توجه جهودهم نحو بناء مجتمع أفضل
- Cfr. R. Sala, Che cos’è la pastorale giovanile? Dieci punti fermi, in «Note di pastorale giovanile» 1 (2015).