نيافة الحبر الجليل مار بطرس قسّيس راعي أبرشيّة حلب وتوابعها للسريان الأرثوذكس

تقديم كتاب “من هجرة إلى هجرة”

 

أبنائي الروحيّين في أبرشيّة حلب وتوابعها في الوطن وبلاد الانتشار
العزيز الروحيّ الملفونو بيير جرجي
نعمة الربّ وسلامه يشملان حياتكم. آمين.

خير ما أستهلّ به تقديمي للنسخة الرقمية من كتاب “من هجرة إلى هجرة”، الذي يصدر لمناسبة الاحتفال بالمئويّة الأُولى للهجرة الرهاويّة، هو الترحّم على كلّ شهداء شعبنا السريانيّ، الّذين رووا بدمائهم الذكيّة تراب أرضنا المباركة، وسقوا بسخاء بذار الإيمان التي أينعت أجيالاً من القامات الروحيّة والاجتماعيّة السريانيّة. وأذكر بكلّ فخر واعتزاز الإنسان الذي كرّس نفسه لخدمة كنيسته وشعبه، قائداً لمسيرة روحيّة قلّ نظيرها في العصر الحديث، هو نيافة المطران مار غريغوريوس يوحنّا إبراهيم راعي أبرشيّة حلب وتوابعها، الذي غُيّب عنّا قبل أكثر من عشرة أعوام عندما خُطف يوم 22 نيسان 2013 وهو في إرساليّة إنسانيّة لتحرير مخطوفين على مشارف مدينة حلب. نصلّي دائماً من أجل تحريره من أسره وعودته سالماً إلى رعيّته وأحبّائه.

هي مائة عام صعد فيها الوجود السريانيّ بحلب إلى ذروته، وظهرت فيها الشخصيّة السريانيّة الخلاّقة والمبدعة، الوطنيّة والباذلة، البسيطة والمؤمنة. في كلّ مناحي الحياة نجح السريانيّ في إثبات وجوده، وترك بصمته عميقة. ويطول بنا الحديث إذا دخلنا في تفاصيل المجالات الّتي نبغ فيها شعبنا وأسماء الشخصيّات التي أثّرت في مجتمعها الضيّق والواسع. وما المؤسّسات والأخويّات والجمعيّات والكشّافات الّتي تظهر إلى الوجود يوماً بعد يوم في بلاد الانتشار، وهي بلا ريب انعكاس لما يوجد في حلب، إلاّ دليل على أنّ هذا الشعب لا يتخاذل ولا ينهزم أمام أيّ ظرف، بل ينهض للعمل والبناء حالما تسمح له الظروف.

لذا، كما نفتخر دائماً بماضينا السحيق، ماضي الرها المباركة، يحقّ لنا أن نفتخر بماضينا القريب وبحاضرنا، حاضر الرها الجديدة، حلب، المدينة التي احتضنت شعبنا السريانيّ الرهاويّ، وقدّمت له كلّ وسائل البقاء، فكانت أمّاً رؤوفاً لأولئك الّذين وصلوها مجرّدين من كلّ شيء إلاّ من كرامتهم وإيمانهم وحضارتهم. فقاموا بردّ الجميل لها بكلّ ما أضافوه إليها من قيم وأخلاق وإبداعات على غير صعيد. وفضل هذا الكتاب أنّه يقوم بأرشفة ما أُنجز سابقاً وبلسان مَن كانوا على صلة مباشرة أو غير مباشرة بالأحداث، وهم يمثّلون صوت شعبنا وضمير كنيستنا.

وللتاريخ نقول: تحلّ علينا هذه المناسبة، ونحن نمرّ في ظروف أقلّ ما يمكن أن نصفها بالقول إنّها قاسية. فالثلاثة عشر عاماً الّتي مرّت علينا من بدء الحرب على سوريا في آذار 2011، تأبى إلاّ أن تترك آثارها الأليمة على شعبنا السريانيّ في حلب، دافعة الكثيرين إلى الهجرة المريرة، تاركين وراءهم ذكريات لا تُمَّحى في كنائسها وشوارعها. فما أشبه اليوم بالأمس!
ومع ذلك أمامنا الكثير لنفعله بعد، إن كان في داخل الوطن أو في خارجه. مسؤوليّتنا الكبيرة هي في حفظ الأمانة الّتي تسلّمناها من آبائنا وأجدادنا وتسليمها سليمة إلى الأجيال الحاليّة والقادمة. ولتكنْ هذه السنة المميّزة انطلاقة لهذه المسيرة ببركة الربّ وتوفيقه.

ختاماً، نبارك لعزيزنا الروحيّ الملفونو بيير جرجي إطلاق هذا العمل، ونشكر كلّ مَن عاونه ودعمه، وتجاوب مع دعوته لكتابة هذه المقالات المميّزة. بارككم الربّ جميعاً.
ودامت عليكم نِعَم الربّ بشفاعة أُمّه القدّيسة مريم ومار جرجس الشهيد، وبصلوات قداسة سيّدنا البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني أدام اللّه حياته ورئاسته، آمين.

 

حلب، في 25/2/2024
المطران بطرس قسّيس
راعي أبرشيّة حلب وتوابعها للسريان الأرثوذكس

 

 

error: