الأب القس جورج كلور

كاهن كنيسة مار جرجس للسريان الأرثوذكس في حي السريان ـ حلب
george.glore@gmail.com
الأب جورج كلور، كاهن كنيسة مار جرجس في حيّ السريان. حلب سوريّة. من مواليد حلب ١٩٥٩، درس الابتدائيّة في مدرسة بني تغلب الثانية والإعداديّة في مدرسة الحكمة والثانويّة في مدرسة حسّان كيالي العالم والمرحلة الجامعيّة في كلّيّة الحقوق في جامعة حلب. تدرّج في الرتب الشمّاسيّة الثلاث المرتّل والقارئ والرسائليّ، ونال درجة الشمّاس الإنجيليّ سنة ١٩٨٥ بعد أن تمّ اختياره من قبل نيافة المطران مار غريغوريوس يوحنّا إبراهيم، ليكون كاهناً لمرعيث مار جرجس. بتاريخ ٣٠/٣/١٩٨٥ نال درجة الكهنوت المقدّس، وقد قلّده صاحب القداسة البطريرك مار أغناطيوس أفرام الثاني الصليب المقدّس في ٢٦/٣/٢٠١٦.


عدد صفحات المشاركة 5صفحات (A4) .

الهجرة وتلاحم الرهاويين

 

التهجير القسري للرهاويين

كان يوم 25 شباط من عام 1924، بداية مأساة تنتظر شعباً بأكمله، قد تمّ تهجيره من دياره إلى مدينة لا يعرف منها إلّا اسمها، تاركاً خلفه تاريخاً وحضارة وتراثاً وكنائس وبيوتاً وكروماً ومحالات تجاريّة ومكتبة ضخمة. اضطرّ أن يحرق هذا الشعب أغلب كتبها لصعوبة نقلها، باستثناء بعض المخطوطات والكتب الطقسيّة وبعضاً من أواني الكنيسة والثريّة، الّتي كانت تزيّن الكنيسة ذات القيمة المعنويّة العالية، إذ كانت مهداة آنذاك من ملكة بريطانيا.

لقد كانت رحلة شاقّة استمرّت أيّاماً إلى أن حطّ الرحال بهم في مخيّم بجانب محطّة بغداد في مدينة حلب. ورغم صعوبة الحياة والبؤس والحرمان الّذي عانى منه المهجّرون، إلّا أنّ هذا المخيّم حافظ على وحدة هذا الشعب الرهاويّ من التشتّت.

 

البرّاكات: تجسيد للتلاحم والتعاضد

كانت الأيّام تمضي، وحلم العودة لم يفارقهم حتّى عندما أرادوا أن يحوّلوا الخيام إلى بيوت حجريّة أو طينيّة، اختاروا أن لا تتجاوز مساحة البيوت الّتي سيقطنونها أكثر 24 متراً مربّعاً، وصارت تلك البيوت تسمّى بـ (البرّاكات). الطريف هو ما حصل عندما أراد المختار توثيق أسماء المهاجرين لاستخراج بطاقات لهم، فقام بتسمية كلّ عائلة بما كانت تُلقّب به من قبل عامّة الناس، لذلك نجد اليوم أنّ أغلب العائلات قد سُمّيت بما كانت تتّصف به من طباع أو بالمهنة الّتي يعمل بها ربّ العائلة. لقد ضمّت برّاكات السريان، ورشاً لأعمال الغزل والنسيج اليدويّ، حيث يعمل فيها النساء إلى جانب الرجال تحت سقف واحد، بينما انفرد بصناعة الأحذية الرجال لصعوبة العمل فيها، كما حوّلت بعض النساء بيوتهنّ إلى ورش للخياطة، وأخريات توجّهن للعمل في معمل لفّ سجائر التبغ (الريجيّ). كلّ هذه التجمّعات، أعطت صورة جميلة عن تلاحم وتعاضد الرهاويّين.

لم يقتصر عمل الرهاويّين داخل هذا الحيّ الصغير، إذ توجّه بعضهم للعمل خارج البراكات، بغاية تعلّم مهن جديدة لتعليمها للفتيان والفتيات الناشئين من جهة ولمساعدة الأهل مادّيّاً من جهة أخرى.

ولم تخلوا البرّاكات من المهن الفرديّة، الّتي كانت تدعم استمراريّة أبناء الكنيسة الواحدة في تعاضد قلّ مثيله. فالبعض عمل في الحلاقة والسمانة وسنّ السكاكين، وعمل الآخر كحجّار وحمّال وفرّان أو كبائع ثلج في أيّام الصيف الحارّة، والبعض الآخر عمل كحدّاد ونجّار وأيضا في مجال صياغة الذهب، بينما عملت النسوة في التطريز والخياطة وحياكة الصوف، ولكنّ المهنة الغالبة للفتيات كانت خياطة القمصان والبيجامات، لذلك قلّما كنّا نجد بيتاً يخلو من ماكينة خياطة. وأخريات عملن في خياطة اللحف وغسل الصوف وتحضير المؤن خلال أيّام فصل الصيف، مثل تجفيف وطحن الفلفل الأحمر الحارّ ودبس البندورة ودبس الفليفلة، وتجفيف الخضار الموسميّة المختلفة، لاستعمالها في أيّام الشتاء الباردة، والّتي كانت تؤدّي إلى المشهد الأكثر جمالاً أنّك كنت تجد أسطحة البيوت وخاصّة في شهر آب وأيلول، وهي مكسوّة باللون الأحمر. وكم كانت اجتماعات النسوة والأقارب والجيران جميلة، وهنّ يساعدن بعضهنّ في أداء هذه الأعمال. لقد كانت هذه الروح الواحدة والعمل الجماعيّ آنذاك، ما ميّز العائلات الرهاويّة ما بعد الهجرة.

 

روح المحبة هي السائدة

ومن الأمور الأكثر غرابة، والّتي كانت تجسيداً لروح المحبّة الّتي كانت تجمعهم كعائلة واحدة، هي أنّ كلّ عائلات الحارة الواحدة كانوا ينامون في أيّام الصيف على الأرصفة مقابل بيوتهم، بعد أن تُكنس الأرض الترابيّة، وتوضع الحصر وتفرّش استعداداً للنوم، ولهذا صُمّمت الحارات على أن تكون شبه مغلقة في أطرافها الخارجيّة، وكان يحرسها بعض الرجال في ليالي الصيف، كي لا يتسلّل إليها الغرباء. وما جسد أيضاً فكرة العائلة الواحدة، هي تبادل حاجيّاتهم البيتيّة، كاستعارة الآنيّة واللحف وغيرها من الحاجيّات لتردّ إلى أصحابها بعد انتهاء استخدامها. وفي فترة لاحقة انتقلوا للنوم في ليالي الصيف الحارة على أسطحة المنازل الّتي تمّ بناؤها.
أمّا عن لقاءاتهم الأسبوعيّة الدوريّة، فكانت تضمّ الرجال والنساء كلّ على حدى، تحت مُسمّى (الشركة)، حيث كان الرجال يتبادلون فيها الأحاديث وألعاب الشدّة أو طاولة الزهر، بينما النسوة تتبادلن خبراتهنّ في الطبخ وأعمال المنزل، أو يتبادلن آخر الأخبار الاجتماعيّة المتداولة في الحيّ. كانت جلسات السمر هذه تتكلّل بأكلة شعبيّة معروفة مثل (القيمة) أو (نوع من أنواع الكبب)، وفي نهاية كلّ لقاء كان يتمّ تجميع اشتراك ماليّ بحسب إمكانات كلّ فرد، ويتمّ جمع هذه المبالغ لسنة كاملة، ويمكن لأيّ فرد منهم اقتراض مبلغ ما عند الحاجة وردّه بعد ذلك مع الفوائد، هذه الأموال كانت تُوزّع في نهاية السنة على أعضاء الشركة، الّذين لا يتجاوز عددهم العشرة، وكانت تُعتبر كنوع من أنواع الادّخار.

صورة جميلة أخرى لتلاحم الرهاويّين، نجدها في مشاركتهم لأفراح وأتراح الآخرين. في أثناء المناسبات المحزنة والجنائز، وبسبب ضيق بيوتهم كان الجيران يفتحون بيوتهم لتقبل التعازي خلال أيّام الشتاء، بينما نجد الرجال يجلسون في الحارات مقابل بيت المتوفّي أيّام الصيف. لكنّ المناسبات السعيدة والأفراح كانت تأخذ شكلاً آخر، إذ كان الجميع يشاركون وكأنّهم أصحاب العرس، وخاصّة سكّان الحارة الواحدة، فتتجمّع النسوة في بيت العروس، ويرافقنها سيراً على الأقدام إلى الكنيسة وهنّ يهتفن الأهازيج الجميلة، وتعلو أصواتهنّ بالتهاليل فرحاً وابتهاجاً، بينما يكون العريس والإشبين والأهل ينتظرون العروس مقابل باب الكنيسة الداخليّ، بعد أن كانوا قد أمضوا ليلتهم في حمّام السوق، وألبسوا العريس في اليوم التالي ثياب العرس، ورافقوه إلى الكنيسة. لقد كانت الأفراح تمتدّ أيّاماً، وكان الجميع يعبّرون عن كامل فرحهم، وكأنّهم يفرحون بأخ أو صديق.

عادة جميلة أخرى، كان يمارسها أهل العروسين والأقارب والأصدقاء في اليوم الثاني للعرس، إذ كانوا يجتمعون جميعهم في بيت العريس لإتمام مراسم الاحتفال بالعروسين، والتحضير لسهرة ما بعد العرس مساء ذلك اليوم، ولكي لا يبقى عبء تحضير الأطعمة على أهل العروسين كانوا يعمدون إلى إجلاس العريس في وسط الغرفة، ويقوم أحد الأصدقاء متظاهراً بأنّه يضرب العريس بمنشفة ليستعطف الحاضرين، فتعدّ كلّ عائلة بجلب صنف من أصناف الطعام، لإقامة وليمة في تلك الليلة، وهكذا يجتمع الحاضرون جميعهم في مساء ذلك اليوم، ويبتهجون بالعروسين.

 

بناء كنيسة مار جرجس

ومن أولى اهتمامات الرهاويّين وشغلهم الشاغل بعد الهجرة، كان بناء كنيسة لهم تقوم باحتضانهم جميعاً للاحتفال بالقداديس الإلهية والصلوات وممارسة الأسرار المقدّسة، لذلك عمدوا إلى بناء كنيسة خشبيّة، استعملوها بضع سنوات. لكن مع ازدياد عدد الرهاويّين خلال تلك الأعوام صارت لديهم حاجة ماسّة لبناء كنيسة حجريّة كبيرة، تحاكي كنيستهم الّتي كانت لهم في أورفا. فاجتهدوا لجمع المال من أبناء الكنيسة المقيمين في حلب، ومن أبنائها في بلاد الاغتراب.
وبدأ العمل ببناء الكنيسة سنة 1932، واستمرّ قرابة العشرين عاماً، وكان سبب التأخير حيناً الحرب العالميّة الأولى وحيناً آخر عدم توفّر المال اللازم للبناء، إلى حين أن انتهى العمل بها سنة 1952، حيث قدّسها المثلّث الرحمات البطريرك أفرام، لتأخذ شكلها النهائيّ مشابهة لكنيسة مار بطرس وبولس في الرُّها، وسمّيت على اسم القدّيس الشهيد مار جرجس، لإرضاء رعيّتي هاتين الكنيستين القادمتين من الرُّها.

 

الحفاظ على التراث

لقد حاول أحفاد الرهاويّين الحفاظ على تراث وتقاليد الآباء والأجداد، لاسيّما حفّاظهم على ألحان الكنيسة بحسب الطقس الرهاويّ السريانيّ، وقد ساهم الشمامسة الكبار في تعليم هذه الألحان للشمامسة الأصغر سنّاً؛ وهكذا انتقلت هذه الألحان إلى يومنا هذا.
وجاء تنويط هذه الألحان على يد الملفونو نوري إسكندر قبل قرابة العشر سنوات، والّتي كانت الداعم الأكبر للحفاظ على هذه الألحان من الضياع والنسيان. كذلك حافظت الكنيسة على المخطوطات السريانيّة النادرة وآنية القدّاس والعهدة العمريّة، وكلّ ما هو ثمين بقيمته المعنويّة والمادّيّة، وهذا إن دلّ على شيء، فهو يدلّ على حرص أبناء الرُّها على كنوزهم.

ظاهرة أخرى انفردت بها كنيسة مار جرجس وهي: عندما صار فيها ثلاث كهنة يخدمون الرعيّة، اختار الجميع أن يزور الكهنة الثلاث بيوتهم في الأعياد (الأب الخوري شكري توما الذي سُيّم كاهناً لمرعيث مار جرجس في عام 1976، والأب جورج كلور كاتب هذه السطور تمت سيامته في عام 1985 كاهناً ثانياً لنفس الرعية، و الأب أنطوان دلي أبو الذي سُيّم أيضاً كاهناً ثالثاً للرعية في عام 1988)، تعامل أبناء الرعية مع الكهنة الثلاثة ككاهن واحد بدافع من إيمانهم والتزامهم، وهذه سمة أخرى تشير إلى تماسك الرهاويّين ووحدتهم والتفافهم حول كنيستهم كصورة جميلة، لتلاحمهم ورغبتهم في أن يبقوا واحداً، كما جاؤوا يوم الهجرة.

 

صورة من السيامة ـ 1985

 

صورة من السيامة ـ 1985

 

صورة من السيامة ـ 1985

بعد بناء الكنيسة، صار الهاجس الأهمّ عند الرهاويّين هو وجود مدرسة، تضمّ أولادهم وتعلّمهم الصلوات والتراتيل واللغة السريانيّة، بالإضافة إلى العلوم الأخرى، وأذكر أنّي عندما كنت طالباً في المرحلة الابتدائيّة، كنّا نذهب إلى الكنيسة عشيّة كلّ يوم بعد انتهاء دوام المدرسة، لنصلّي المزامير ونرتّل التراتيل الطقسيّة المختلفة.
كما بقيت عادة اجتماع المؤمنين بعد انتهاء القدّاس الإلهيّ كلّ يوم أحد، لتبادل الآراء ومناقشة بعض الأمور الّتي تخصّ الكنيسة وتهمّ المؤمنين باقية إلى يومنا هذا، تحت مُسمّى (الأوندالغ).

 

النشاطات الكنسية والاجتماعية

بعد سنوات من بناء الكنيسة، نشأت الحركة الكشفيّة، وبعدها نادي الشهباء الرياضيّ، الّذين شكّلا مركّزين مهمّين لتجمع الشباب وممارسة نشاطاتهم المختلفة، تبعها نشوء أخويّة تضمّ الجامعيّين وأخرى تضمّ المدرسة الأحديّة، بغية ارتباط الشبيبة بالكنيسة وممارسة نشاطاتها المختلفة، والّتي تعبّر عن عمق الارتباط بين أبناء كنيسة الرُّها.

وعندما ازداد العمل الكنسيّ والنشاطات العائدة لها، صار من الضروريّ وجود صالات تخدم هذا الهدف، وتُلبّي احتياجات الكنيسة وأبناءها لممارسة نشاطاتهم المختلفة، من اجتماعات ولقاءات ومحاضرات ومعارض وغيرها، وإقامة الحفلات خاصّة أيّام الأعياد والصيام وأعياد القدّيسين مثل حفلات البالو والسمسك ونصف الصوم (ميشينك) وكباب الباذنجان، بالإضافة إلى الحفلات الخاصّة باللجان والمراكز والمؤمنين. كذلك جلسات العزاء؛ لأنّ بيوت المؤمنين لم تعد كافية بمساحتها، لاستقبال الأعداد الكبيرة الّتي ترغب في تقديم واجب العزاء.

لقد أعطى الرهاويّون لاحتفال كنيستهم بعيد شفيعها القدّيس الشهيد مار جرجس أهمّيّة خاصّة، إذ يزور المؤمنون الكنيسة للصلاة والتبرّك من أيقونة القدّيس الموجودة في المزار المخصّص لها في زاوية الكنيسة ليلة العيد، واعتاد البعض أن ينام في ليلة العيد في الكنيسة تشفّعاً بصلوات القدّيس أو وفاء لنذر.
كذلك كان يوم عيد الدنح (الغطاس) يوماً مميّزاً، خاصّة لدى الكهنة والشمامسة الّذين يذهبون صباح العيد باكراً لجلب الماء من أقرب بئر للكنيسة، وهم يرتّلون التراتيل الطقسيّة الخاصّة بهذه المناسبة.

وإلى يومنا هذا يجلب النسوة مساء عيد البشارة الطحين إلى الكنيسة، ليقوم الرجال بعجن العجين ليلة العيد في أثناء قراءة الإنجيل، بينما يتمّ توزيع هذا العجين على المؤمنين صباح العيد بعد القدّاس الإلهيّ. ووفاء من الأهالي لموتاهم يذهب عشرات المؤمنين إلى المقابر، أيّام سبت البشائر وليلة عيد انتقال أمّنا العذراء، حيث يصلّي الكهنة للموتى بحضور ذويهم، بينما يوزّع البعض التين والعنب أو الكلينجا على أنفس موتاهم.

وعادات أخرى جميلة ما زالت تُمارس إلى يومنا هذا، كقراءة الإنجيل من قبل الشمامسة، بدلاً عن الكاهن ليلة عيد مار استيفانوس رئيس الشمامسة، كذلك يجتمع الأطفال ليلة عيد الشعانين، ليلقوا بأغصان الزيتون وقت قراءة الإنجيل المقدّس، متشبّهين بما فعل الأطفال يوم دخول السيّد المسيح إلى أورشليم.
كنيستنا مار جرجس اليوم مُقبلة على ترميمها الثاني، بعد أن تمّ الترميم الأوّل سنة 1983 وهي ما زالت محافظة على حلّتها الأولى الّتي بناها آباؤنا وأجدادنا.
مع مرور السنوات واستقرار الرهاويّين في مدينة حلب وانتهاء فكرة العودة إلى أورفا، عمل الجميع على تحسين أوضاعهم إمّا بالتوجّه للعلم وتحصيل الشهادات بمختلف الفروع العلميّة، أو التوجّه إلى المهن الحرّة. واستطاع الجميع أن يجعلوا لأنفسهم مكانة في المجتمع، فبرزت أسماء يشهد لها بكفاءتها إلى يومنا هذا.

 

الحرب والهجرة

لقد استمرّ حال الجميع بالتحسّن، رغم بعض الضيّقات الّتي مرّت عليهم، وكان الجميع يحيون بقناعة ورضا، سعداء بوجودهم إلى جانب كنيستهم الّتي ترعاهم الرعاية الروحيّة اللازمة، إلى أن حلّت علينا هذه الحرب اللعينة في عام 2011، إذ دبّ الذعر والخوف في قلوب الجميع وخوفاً منهم على عائلاتهم وأطفالهم من براثن الحرب، شرع الرهاويّون بترك بيوتهم وأشغالهم للتوجّه مع عائلاتهم إلى بلاد الاغتراب.

كان هذا بداية لنزيف عشرات العائلات الّتي غادرت، وعشرات البيوت والمحالّ الّتي أغلقت. وبعد أن كانت الكنيسة تعجّ بالمؤمنين أصبحنا اليوم نرى مقاعد شاغرة، وبعد ما كانت الكنيسة تحتفل بزيادة العائلات الجديدة وبانضمام عشرات الأطفال المولودين حديثاً إليها كلّ عام، أصبحنا اليوم نتحدّث بحسرة عمّا مضى، وصرنا نكتفي بالاطمئنان على من غادرنا، متمنّين لهم النجاح والتوفيق في حياتهم ومستقبل أيّامهم.

 

خاتمة

إنّ المئويّة الأولى للهجرة تضعنا أمام مسؤوليّة الحفاظ على تراث الآباء والأجداد أينما كنّا وحيثما حلّلنا، هذا الكنز والتراث الثمين الّذي حافظ عليه أجدادنا وآباؤنا، وقدّموا كلّ التضحيات بمثابرة وغيرة وقادة لعدم التفريط، ولو بجزء بسيط منها. نحن اليوم مطالبون بإتمام رسالتهم السامية بالحفاظ على تاريخنا وتراثنا السريانيّ الرهاوي ونقله لأبنائنا وأحفادنا بصدق وأمانة، ليعرفوا أصولهم العريقة وانتماءهم الوثيق لكنيستنا الأمّ، ليعرفوا تماماً بأنّهم أحفاد الرُّها المدينة المقدّسة.

 

 

error: