الأب الخوري منير بربر

كاهن كنيسة مار بطرس للسريان الأرثوذكس في استوكهولم ـ السويد
الأب الخوري منير بربر من مواليد سوريا ـ رأس العين 25\3\1944. عام 1946 عاد مع والده إلى حلب، ونشأ في حي السريان، وترعرع ودرس في مدرستها السريانية، وتربى في كنيسة مار جرجس في حي السريان. عام 1958 وهو في الرابعة عشر من عمره، اختاره راهبان. أفرام برصوم (مطران بيروت) وأفرام عبودي مدير المدرسة آنذاك، بأن يكون طالباً في الإكليريكية. دخل الموصل 20/9/1958 بعد ثورة عبد الكريم قاسم بشهرين، وبسبب الأوضاع السياسية تم نقل المدرسة الإكليريكية إلى زحلة بلبنان عام (1962). في 18 أيار 1964 تخرج من زحلة، واختاره المطران مار سويرس زكا عيواص سكرتيراً له في الموصل. وفي نفس السنة عُين مدرساً في الحسكة لشهر واحد، ولأسباب صحية انتقل إلى حلب، وعين مدرساً للغة السريانية والتعليم المسيحي بحي السريان. عام 1970 دعاه ثانيةً نيافة مار سويرس زكا عيواص، ليكون سكرتيراً ومعلماً في مدرسة بأبرشية بغداد والبصرة. كلّفه المثلث الرحمات مار أغناطيوس يعقوب الثالث أن يكون كاهناً في البرازيل، وارتسم كاهناً على يد المثلث الرحمات مار ديونيسيوس جرجس القس بهنام في كنيسة مار جرجس بحي السريان ـ حلب، بتاريخ 28\3\1971، وخدم في سان باولو – البرازيل مدة ست سنوات. بتاريخ 1\11\1976 انتقل إلى السويد، ومنذ ذلك التاريخ، وهو يخدم في كنيسة مار بطرس للسريان الأرثوذكس في هالون بارين – استوكهولم. جميع الرسامات الشماسية والكهنوتية والإكليل قد تمت في حلب بحي السريان على يد المثلث الرحمات مار ديونيسيوس جرجس القس بهنام. بعد 28 سنة على رسامته قسيساً، رُسم خورياً بتاريخ 10\12\1998 على يد نيافة المطران مار يوليوس عبد الأحد شابو . وفي عام ٢٠١٣، تقلَّد من قداسة المثلث الرَّحمات البطريرك زكا الأول عيواص وسام مار إغناطيوس النُّوراني برتبة كومندور، نظراً لخدماته الطويلة وإخلاصه ووفائه للكنيسة السريانية ورؤسائها.

 

 


عدد صفحات المشاركة 30 صفحة (A4) .

جبل الرُّها المقدّس

 

جبل الرُّها المقدّس

جبل شرقيّ الرُّها قريب منها سُمّي بالمقدس لكثرة ما شيّد فيه من صوامع وأديرة وما آوى إليه، وحوى فيه من رهبان، فذكر بعض الجغرافيّين القدماء أدياره زهاء ثلاثمائة، وحكى المؤرّخ الرهاوي السريانيّ المجهول في المجلّد الأوّل من تاريخه ص ١٨٢ إنّ رهبانه بلغوا في النصف الأوّل من المئة الخامسة التسعين ألفاً فتأمّل!

إلى الجَبَلِ المُقَدَّس
إلى مجتمعِ أصفياءِ العَليِّ في جبلِ الرُّها المُقدّس هلمّوُا بنا نصعد يا أبناء آرام هناك حيث ارتقى الألوف، وانضمّوا إلى لواء يسوع الحبيب صفوفاً في صفوف، وفاحت زنابق البرارة في رياضِ العلومِ الزَّاهية، حيثُ هبطَ وَحيُ السماء على القدّيس مارِ أفرام نابغةُ السُّريان صاحبُ الآياتِ البيّناتْ.
إيهْ مدينةُ الرُّها حبيبة المسيح وعاشقة الإيمان الصحيح، يا جوهرة ما بين النهرين اللامعة، وواسطة قلادتها الفاخرة، يا مَحِجَّةَ اللسانَ الآراميّ ومعلّمةَ الفُصحى، يا عرشَ أبجر الورع، وكرسيّ أدّى البشير، وإيث الاها باني بيعةَ آجيا صوفيا، إحدى عجائبَ الدُّنيا، ويعقوب الرَّهاوي فيلسوفُ السُّريانِ الأكبر.

ربّاه، أينَ مِنَ الرُّها مناسكها وأديارها ونسّاكها ورهبانها، أين مدرستها حاملة مصباح العلوم ومشعلَ المعارفِ إلى الشَّرق السُّرياني زهاءَ ستّ وعشرين ومئة سنة، أين كنائسها الجميلة الّتي جاوزت العشرين؟ أوّاه تلك أحداث الزَّمان وسيوفَ الفاتحين، وسياسةَ الطُغاة ودسائسَ الطَّامعين، والخطلِ في الرأي والخلل في تصريف الأمور، جعلت الرُّها تتقلّب بين أدوار رُقيٍّ وانحطاطْ، وهجرةٍ واختلاطْ، فبدّلت السُّريانيّة بالأعجميّة، وَسَفتْ عاصفةُ زماننا بقاياها إلى حلب أحد أحياء الشهباء، نزلوه أذلّاءْ، وقد حَنَّ البطريركُ أفرام الأوّل برصوم على الرَّهاويين كحنوِّ الأمِّ على الفَطيمْ دَامعينْ1، وحُسبَ لهم أباً، والرَّهاويّون يُعْتَبَرونْ أيتامَ البطريرك أفرام برصوم لعنايته ورعايته لهم في أثناء الهجرة وحصوله على هذا الحيِّ الّذيِ يُدْعَى حيُّ السُّريان وَتَمرْكُزِهمْ فيه، ولذلك نظراً لأتعابه وجهوده المبذولة والمشكورة وتقديراً وإكراماً لقداسته أقام له نيافة الحبر الجليل مارغريغوريوس يوحنّا إبراهيم عجّلَ اللّه فَرَجَهُ، نُصْبَاً وتمثالاً تَذكاريّاً في باحةِ (كنيسة الشهيد مارجرجس السُّريانيّة الرَّهاويّة بحلب – حيّ السُّريان.
في ذمّةِ الزَّمانْ أيُّهَا الجبلُ المُقدَّسْ، وفي ذِمَّةِ الأيّام والتاريخ يا عاصمةَ الأباجرة، فَإنَّ حفيدَكِ الحَبيبْ وَالوَفيِّ يقول: إن نَسِيتُكِ يَا مَديِنةَ الآباءِ والأجدادْ فَلتَنْسَنيِ يَميِنيِ.

 

ܛܘܼܪܐ ܩܕܝܼܫܐ ܕܐܘܼܪܗܝ

ܛܘܪܐ ܡܕܢܚܝ ܐܘܼܪܗܝ ܡܕܝܢ̱ܬܐ ܩܪܝܼܒ ܡܢܗܿ ܐܫܬܡܝܼ ܩܕܝܼܫܐ ܡܛܠ ܣܓܝܼܘܬ ܡܐ ܕܐܬܒܢܝܼܘ ܟܕܘ ܡܼܢ ܥܘܡܪ̈ܐ ܘܕܝܪ̈ܬܐ ܘܥܢܘ̈ܝܐ܄ ܐܡܼܪ ܐ̱ܢܫ̈ܝܢ ܡܼܢ ܙܘܓܪܦܝܐ ܩܕܡ̈ܝܐ ܕܕܝܪ̈ܬܗܿ ܐܝܬܝܗܝܢ ܗܘ̈ܝ ܐܝܟ ܬܠܬܡܐܐ ܄ ܘܬܢܝܼ ܡܟܬܒܢܐ ܐܘܼܪܗܝܐ ܣܘܼܪܝܝܐ ܕܠܐ ܝܕܝܼܥ ܫܡܗ ܒܡܢܬܐ ܩܕܡܝܬܐ ܡܼܢ ܡܟܬܒܢܘܬܗ ܦܐܬܐ ܩܦܒ ܟܕ ܐܡܼܪ ܕܒܦܠܓܘܬܐ ܩܕܡܝܬܐ ܚܡܝܼܫܝܬܐ ܕܝܪ̈ܝܘܗ̱ܝ ܡܼܛܘ ܠܬܫܥܝܼܢ ܐܠܦ̈ܝܼܢ.

ܠܛܘܪܐ ܩܕܝܼܫܐ

ܠܘܬ ܟܢܫܐ ܕܓܒ̈ܝܐ ܕܐܠܗܐ ܒܛܘܪܐ ܩܕܝܼܫܐ ܕܐܘܼܪܗܝ ܬܘ ܠܟܼܘܢ ܢܣܩ ܐܘ ܒܢ̈ܝܐ ܕܐܪܡ ܬܡܢ ܟܪ ܕܐܬܥܠܝܘ ܐܠܦ̈ܝܐ ܘܐܬܟܢܫܘ̱ ܠܘܬ ܢܝܫܗ ܕܝܫܘܥ ܚܒܝܼܒܐ ܣܕܪ̈ܝܢ ܣܕܪ̈ܝܢ ܘܦܝ̈ܚ ܚܡܨܠܝ̈ܬܐ ܕܙܕܝܼܩܘܬܐ ܒܓܢ̈ܢܐ ܕܝܘܠܦܢ̈ܐ ܙܗ̈ܝܐ ܟܪ ܕܢܚܬ ܓܠܝܢܐ ܕܫܡܝܐ ܥܠ ܩܕܝܫܐ ܡܪܝ̱ ܐܦܪܝܡ ܢܒܓܐ ܕܣܘܪ̈ܝܝܐ ܡܪܐ ܕܣܝ̈ܡܐ ܢܨܝܚ̈ܐ ܂
ܐܘܼܗ܄ ܡܕܝܢ̱ܬܐ ܕܐܘܼܪܗܝ ܚܒܝܼܒܬ ܡܫܝܼܚܐ ܘܫܢܝܼܓܬ ܬܘܕܝܼܬܐ ܫܪܝܼܪܬܐ ܐܘܿ ܡܪܓܢܝܼܬܐ ܨܡܘܚܬܢܝܼܬܐ ܝܩܝܪܬ ܕܡܝ̈ܐ ܕܬܠܝܐ ܒܥܩܐ ܕܒܝܬ ܢܗܪ̈ܝܼܢ܄ܐܘ ܒܝܬ ܨܘܒܐ ܕܠܫܢܐ ܐܪܡܝܐ ܘܡܠܦܢܝܼܬܐ ܕܠܥܙܐ ܡܪܢܝܐ ܄ ܐܘ ܒܝܬ ܡܠܟܘܬܐ ܕܐܒܔܪ ܟܐܢܐ ܘܟܘܼܪܣܝܐ ܕܐܕܝ ܡܣܒܪܢܐ ܘܐܝܼܬ ܐܠܗܐ ܒܢܝܐ ܕܥܕܬܐ ܕܐܔܝܐ ܣܘܦܝܐ ܚܕܐ ܡܼܢ ܬܕܡܪ̈ܬܐ ܕܥܠܡܐ ܄ ܘܝܥܩܘܿܒ ܕܐܘܼܪܗܝ ܦܝܠܣܘܦܐ ܣܘܼܪܝܝܐ ܪܒܐ ܂
ܐܝܢ ܐܘܿ ܡܪܝܐ ܐܝܟܐ ܐܢܘܢܿ ܥܘܼܡܪ̈ܐ ܘܕܝܪ̈ܬܐ ܕܐܘܼܪܗܝ ܘܥܢܘ̈ܝܝܗܿ ܘܕܝܪ̈ܝܝܗܿ ܄ ܐܝܟܐ ܗ̱ܝ ܡܕܪܫܬܗܿ ܗܿܝ ܕܝܒܠܬ ܢܘܗܪܐ ܕܝܘܠܦ̈ܢܐ ܠܡܕܢܚܐ ܣܘܼܪܝܝܐ ܐܝܟ ܡܬܚܐ ܕܡܐܐ ܘܥܣܪܝܼܢ ܘܫܬ ܫܢ̈ܝܢ܄ ܐܝܟܐ ܐܢ̈ܝܢ ܥܕ̈ܬܗܿ ܫܦܝܪ̈ܬܐ ܕܝܬܝܼܪ ܡܢ ܥܣܪܝܼܢ ܐܝܬܝܗܝܢ ܗܘ̈ܝ ܄ ܐܘܼܗ ܗܢܘܢ ܓܕ̈ܫܐ ܕܙܒܢܐ ܘܣܝ̈ܦܐ ܕܦܬܚ̈ܐ ܄ ܘܡܕܒܪܢܘܬܐ ܕܛܪ̈ܘܢܐ ܄ ܘܡܕܪܡܘܬܐ ܕܝܥ̈ܢܐ ܄ ܘܦܠܝܓܘܬܐ ܒܪܥܝܢܐ ܘܡܚܝܼܠܘܬܐ ܒܫܘܡܠܝ ܦܘܩ̈ܕܢܐ ܥܒܕܘ̱ ܕܬܬܗܦܟܝ ܐܘܼܪܗܝ ܒܝܢܬ ܕܘܪ̈ܐ ܕܫܘܼܘܫܛܐ ܘܡܬܚܬܝܘܬܐ ܘܫܒܝܐ ܘܚܘܼܠܛܢܐ܄ ܘܐܬܚܠܦ ܠܫܢܗܿ ܣܘܼܪܝܝܐ ܒܢܘܟܼܪܝܐ ܘܣܦܐ ܥܠܥܠܐ ܕܙܒܢܢ ܠܫܪ̈ܟܢܝܗܿ ܠܚܕܐ ܡܢ ܫܘ̈ܬܬܐ ܘܡܫܪ̈ܝܬܐ ܕܚܠܒ ܫܪܘ ܒܗ ܕܘܝܢ ܘܡܛܪܦܝܢ܄ ܘܚܣ ܥܠܝܗܘܢ ܡܪܢ ܦܛܪܝܪܟܐ ܬܠܝܼܬ̈ܝ ܛܘ̈ܒܐ ܡܪܝ̱ ܐܝܓܼܢܐܛܝܼܘܿܣ ܐܦܪܝܡ ܩܕܡܝܐ ܒܪܨܘܡ ܐ݇ܝܟ ܚܘܣܢܐ ܕܐܡܐ ܥܠ ܚܡܝܼܠܗܿ ܡܕܡܥܢܐܝܼܬ2 ܘܗܘܐ ܠܗܘܢܿ ܐܒܐ ܘܗܢܘܢܿ ܐܘܼܪܗ̈ܝܐ ܚܫܝܼ̈ܒܝܼܢ ܝܬ̈ܡܐ ܕܡܪܢ ܦܛܪ̄܄ ܘܡܛܠ ܝܨܝܦܘܬܗ ܘܪܥܝܘܬܗ ܠܗܘܢܿ ܒܙܒܢ ܓܠܘܬܐ ܘܕܒܪ ܠܗܘܢܿ ܗܕܐ ܡܫܪܝܼܬܐ ܡܬܝܕܥܐ ܘܡܫܬܡܗܐ ܡܫܪܝܼܬܐ ܕܣܘܼܪ̈ܝܝܐ ܘܠܡܝܩܪܢܘܬ ܕܩܕܝܼܫܘܬܗ ܘܢܨܚܢܘܬܗ ܐܩܝܼܡ ܠܗ ܡܥܠܝܘܬܗ ܕܡܪܝ̱ ܓܪܝܓܘܪܝܼܘܿܣ ܝܘܚܢܢ ܐܒܪܗܡ ܡܛܪܘ̄ ܕܚܠܒ ܘܕܢܩܦܝ̈ܬܗ ܪܡ ܐܝܼܩܪܐ ܩܝܡܬܐ ܘܗܝܟܠܐ ܒܕܪܬܐ ܕܥܕܬܐ ܕܣܗܕܐ ܡܪܝ̱ ܓܘܪܓܝܣ ܕܣܘܼܪ̈ܝܝܐ ܐܘܼܪ̈ܗܝܐ ܐܝܟ ܬܘܕܝܼܬܐ ܘܩܘܠܣܐ ܠܥܡ̈ܠܘܗܝ ܘܥܒܕ̈ܘܗܝ ܛܒ̈ܐ ܕܠܘܬܗܘܢܿ ܂
ܒܥܪܒܘܬܐ ܕܙܒܢܐ ܐܘܿ ܛܘܼܪܐ ܩܕܝܼܫܐ܄ ܘܒܥܪܒܘܬܐ ܕܝܘܡ̈ܐ ܘܡܟܬܒܙܒܢܐ ܐܘܿ ܡܕܝܢ̱ܬܐ ܐܪܫܟܝܬܐ ܕܐܒܓܪ̈ܝܐ ܓܢ̱ܒܪ̈ܐ، ܢܿܒܓܼܟܼܝ ܚܒܝܼܒܐ ܘܫܪܝܼܪܐ ܐܿܡܪ܄ ܐܢ ܐܛܥܝܟܝ̱ ܐܘܿ ܡܕܝܢ̱ܬܐ ܕܐܒܗ̈ܬܐ ܬܛܥܝܢܝ ܝܡܝܼܢܝ̱ ܂

 

الجالية السُّريانية الرَّهاوية في الهند

ما انتصف القرن الرابع حتّى كادت النصرانيّة في ملبار الهند تتضعضع وتصبح أثراً بعد عين لو لم تهب إلى نجدتها جالية سريانيّة من أطراف الرُّها، برئاسة أسقف رهاوي فاضل يدعى يوسف وتاجر كبير يسمّى توما الكنعاني أو الأورشليميّ.

كان توماً وجيهاً في قومه يتّصل قبلاً بالتجارة مع البلاد الهنديّة. ذكروا عنه أنّه لمّا سافر مرّة إلى ساحل ملبار: شاهد أناساً قد زيّنوا صدورهم بصلبان، فاستدلّ أنّهم مسيحيّون. ولمّا حادثهم علم أنّهم بحاجة ماسّة إلى كهنة يرعون نفوسهم العطشى إلى ماء الحياة. وذكر القسّ فيليبس ايدوديكل أنّ التاجر توما جاء الهند أوّلاً سنة ٣٣٩، وتجوّل في مِلبَار وميلابور وجينم وبنغال وَمَنْكَمْ.

كانت هذه الجالية مؤلّفة من ٤٠٠ نفس، تنتمي إلى سبع قبائل. وتؤلّف اثنتين وسبعين عائلة، فيها قسوس وشمامسة، فحطّوا رحالهم في مدينة كودنكلور القريبة من كوجين، وذلك حوالي سنة ٣٤٥ على عهد “جيرامان بيرومال” ملك كودنكلور (٣٤١– ٣٧٨).

فأنزلهم الملك على الرَّحبِ وَالسِعَة قصدَ إنعاشِ التِّجارة في بلاده، وفي ٢٩ شباط سنة ٣٤٥ منحهم اثنين وسبعين امتيازاً مرموقاً، رفعت شأن المسيحيّين في تلك الديار وساوتهم بأعلى طبقة من الهندوس. وكانت هذه الامتيازات منقوشة على لوح من نحاس باسم مار توما المذكور آنفاً، الّذي منحه أيضاً بنوع خاصّ امتيازات اجتماعيّة رفيعة وعبيداً وأراضي واسعة في كودنكلور وغير ذلك. وممّا يؤسف له فقدان هذا الأثر القيّم، وإن وُجد منه نسخ كثيرة عند بعض الأسر الملباريّة العريقة. قِيلَ إنّ الألواح حُفظتْ حتّى استولى البرتغاليّون على الدِّيار، فسُلّمت إليهم ومن ثمّ فُقدتْ. ولمّا استولى الإنكليز على كوجين بحثوا عنها، فوجدوا بعضها وسلّموها للمطران السريانيّ. بيد أنّ الّتي منحت لتوما المذكور آنفاً لم تُوجد حتّى الآن.
أمّا المسيحيّون الملباريّون3 القليلو العدد، فقد رحّبوا بهذه الجالية أجمل ترحيب، إذ رفعت شأنهم، ومع هذا فإنّهم لم يمتزجوا مع بعضهم بالمُصاهرة. فسكنتْ الجالية في الجهة الجنوبيّة من مدينة كودنكلور (مهاديور) والوطنيّون في الجهة الشماليّة منها. فدُعيَ الأولين جنوبيين، والآخرون شماليّين، ولم تزل هذه التسمية حتّى الآن تميّزهم عن بعضهم مع وجود فروق أخرى بينهم في التَّقاليد الاجتماعية. فنمتْ الجالية وانتشرت في بلاد شتّى من ملبار، حتّى تألّفت منها أبرشيّة سُمّيت بأبرشيّة الكناعنة، وسيأتي الكلام عنها في حينه.

ذكر القسّ فيليبس4 إنّهم شيّدوا بيوتاً شماليّ هيكل الأوثان الخاصّ بالملك، وكانت متّجهة نحو الهيكل، وهناك بنوا بيعة أيضاً. وساعدوا الملك في الحرب الّتي نشبت بينه وبين بعض ملوك الهند، ولمّا انتصر منحهم لقب “الأشراف” (مهابيليمار) ونساؤهم لقب ” الشريفات” (بينيليمار).
بذلت هذه الجالية قُصَارى جهدِهَا في نشرِ الدِّين المسيحيّ في الدِّيار الهنديّة، واهتمّت بنقل رُفَاتِ القدّيس مار توما الرَّسول من الهند إلى الرُّها سنة ٣٩٤ على عهد مارّ قورا مطران الرُّها. وقُصارى القول فقد كان لقدوم هذه الجالية أثر خطير في تاريخ الكنيسة الملباريّة ونتائج حسنة:
١– رفعت حالة المسيحيّين الاجتماعيّة في تلك الدِّيار كما سبق القول.
٢– وَطدَّتْ العلاقاتَ بين الكنيسة الملباريّة وَالكٌرسيّ الرَّسوليّ الأنطاكيّ.
٣– ومنذ ذلك الحين دُعيَ نصارى الهند: سرياناً، وكنيستهم: الكنيسة السُّريانية. قال القسّ فيليبس: إنّهم توجّهوا إلى جينم وبنغال وبلاد أخرى للتبشير، فتوفّي توما في بنغال.
والجدير بالذِّكر أنّه في الستّينيّاتْ، وفي أيّام المثلّث الرَّحمَاتْ مار ديونيسيوس جرجس القسّ بهنام مطران أبرشيّة حلب العامرة والزاهرة، زارَ وَفدٌّ رَهاويَ قادمٌ من بلاد الهند مؤلّفاً من خمسين شخصاً، رجالاً ونساءً، لزيارة مدينة حلب لمدّة أسبوع، فارتأى نيافته أن ينزلهم في منطقة حيّ السُّريان، ويوزّعهم كلّ شخصين أو ثلاثة ضيوف في منازل الرَّهاويّينْ بدلاً من الفنادق ليتعرّفوا عن قُربٍ على طبيعة وَنَمطِ حياة الرَّهاويين في حلب، وأذكرُ أنّ يوماً إحدى العائلات الرَّهاوية عملت لضيوفها أكلة كبّة طرابلسيّة، بالإضافة إلى مأكولات أخرى، فسأل النُزلاء صاحب البيت على الكبّة الطرابلسيّة، فكّروها ثمرة وقالوا هذه الثمرة على أيّ شجرة تنبت؟ فأجاب المضيف، أنّ هذه ليست ثمرة إنّما هو برغل ناعم المصنوع من الحنطة، ومعجون بلحمة الخروف المدقوق أو المطحون، ومحشيّ باللحمة المفرومة المقليّة والمخلوطة بالبصل المفروم والتوابل، وثمّ تقلّى بالزيت. وهكذا سُرَّ الوفدُ بعد زياراتهم الكنائس والمؤسّسات والمشاريع والأماكن الأثريّة في حلب وأطرافها، واضطلاعهم على حياة شعبنا السُّرياني الرَّهاوي وطريقة عيشهم، وأخذوا إنطباعاً جميلاً لما شاهدوه ولمسوه من محبّة وتقدير وَحُسْنِ الضِّيافة والاستقبالْ.

 

الهجرة إلى حلب

هاجر السُّريان الرهاويّون مدينة الرُّها في الصوم الأربعينيّ الكبير من شهر شباط عام ١٩٢٤، بصورة جماعية، تَضُمُّ ستمائة عائلة سريانية رهاوية، بعربات بسيطة إلى مدينة حلب عن طريق جرابلس منشدين هذا النشيد السرياني، وهم يغادرون ويرحلون من مدينتهم المباركة والحبيبة على القلوب مودِّعين الرُّها بالدموع والعبرات والآهات والحسرات، بثيابهم وحاجاتهم الخاصة تاركين كلّ شيء وأملاكهم الخاصة والغالي والنفيس، بشكل ترك وطن بمعنى لا يحقّ لهم المطالبة والادعاء بأملاكهم وبيوتهم وحقولهم وكل ما يملكونه، ولو كانوا يحتفظون بأوراق الملكية.

فقط اصطحبوا معهم بعض الحاجيات والأواني الكنسية، بيت القربان الموضوع على المذبح، وناقوس الكنيسة، ومبخرة فضية، والثريا الكبيرة المعلقة في وسط الكنيسة، وبدلة قداس منسوجة من خيوط الحرير باللون الفستقي المنقط الجميل، وكان يلبسها المثلث الرحمات البطريرك أفرام الأول برصوم عندما كان يحتفل بالقداس الإلهيّ في كنيسة الشهيد مار جرجس بحيّ السّريان في حلب، وبعضا من الكتب والمخطوطات، ولا سيما الكتاب الأصليّ الشهير والوحيد في العالم وهو تاريخ مار ميخائيل الكبير الموجود في مكان آمن لدى الطائفة، وبالإضافة إلى ذلك محبة وإكراما لقداسته، ولأن أصبح لنا بمثابة الأب في أثناء الهجرة.
نحن الرهاويون معشرَ أبناءَ الرُّها نعتبر أيتام البطريرك أفرام الذي دبر لنا من السلطات المسؤولة والمعنية هذه المنطقة التي تدعى اليوم حي السريان، أيام كان مار سويريوس برصوم قائما بطريركيا، ومطران كلّ سوريا ولبنان، والذي ارتسم بطريركا عام ١٩٣٣ خلفا لقداسة المثلث الرحمات القديس البطريرك مار إغناطيوس إلياس الثالث شاكر المتنيح في الهند عام ١٩٣٢م، واستوطن الرهاويون هذه المنطقة، واستطاع أغلبهم بعدئذ شراء بعض القطع من الأراضي بأسعار زهيدة وبناء بيوت صغيرة وبالأحرى بشكل براكة أي أربعة جدران وسقف من ساج التوتياء السميك وملحقاته، بعضا من الحجر الحوار وهي كلمة سريانية تعني الأبيض، وبعضا من الكربيج، ولذلك كانت المنطقة في البداية تعرف ببراكات السريان، على أمل أنهم يحلمون يوما العودة ثانية إلى الرها، ولكن هيهات، وهكذا استمر الرهاويون العيش بمدينة حلب، وسميت المنطقة بعدئذ بحي السريان، وكتبت حتى على حافلات المنطقة حيّ السريان، ولكنها في السجلات الحكومية الرسمية اسمها العزيزية الجديدة، ولكن في الحديث يدّعونها حي السّريان القديم والجديد كون سكان المنطقة كلهم سريان، وبعدئذ سكنها أيضاً بعض العائلات الأرمنية، وبنوا كنيستهم التي تدعى بالأرمنية كنيسة سورب أكوب أي كنيسة القديس مار يعقوب.

أما السريان، فبنوا بداية كنيسة خشبية بسيطة، وفي باحتها أيضا مدرسة متواضعة بقصد تعليم اللغة السريانية والتعليم المسيحي وإعداد شمامسة لإنعاش وإحياء واستمرارية الكنيسة مع بعض المؤسسات الخيرية، وجمعية المرضى لمساعدة الفقراء والمرضى وإعالة المساكين والمحتاجين من أبناء الكنيسة، وبيوت بسيطة لإيواء العجزة والكشفية، وفي الخمسينات تمّ بناء أوقاف فخمة من حجر حلب بطول الشارع في وسط الحي بثلاثة طوابق في الطابق السفلي، مقر خاص للكشاف ودار للعجزة، وفي الطابق الأرضيّ عبارة عن محلات تجارية، والطابق العلويّ بيوت للسكن، وريع جميع الأوقاف من محلات ومنازل للسكن تعود للمجلس الملي، المسؤول عن الكنيسة والمؤسسات الطائفية للشعب السرياني، وقد حضرت وضع حجر الأساس الذي وضعه نيافة المثلث الرحمات مار ديونيسيوس جرجس القس بهنام مطران أبرشية حلب وتوابعها، رحمة الله عليه، في الخمسينيات مع مسؤولي المجالس والمؤسسات والشعب السريانيّ الرهاوي، ورأيت بأم عيني هذا الاحتفال، إذ كنت صغيرا في الحادية عشرة من عمري.

وتأسس فوج الكشاف المعروف بالفوج السادس الوحيد في مدينة حلب الشهباء، الذي شارك في الحفلات والمناسبات والاستقبالات الرسمية والكنسية والطائفية، وكان بشكل دائم يزيد الاستقبال رونقا وجمالا ولا سيما في مهرجان ١٩٥٦ الذي جرى في منطقة السّريان الجديدة التي كانت آنئذ مجرد حقول وبرية. شارك فيها كشاف حلب وبيروت والقامشلي ونادي الشهباء الرياضي، ونادي الرافدين، ونادي سنحريب، ولمع في هذا المهرجان النجمان اللاعبان يوسف شماس من حلب وسعيد نعوم من القامشلي، وفهمي كولار حارس المرمى، وحتى اليوم يشيدون ويذكرون هذا المهرجان التاريخيّ الفريد الذي لا يُنسى، أيام المرحوم الوجيه جان كلور رئيس نادي الشهباء الرياضيّ بحلب. هذا وقد تمّ إعداد مخيمات في المنطقة المذكورة دامت أسبوعا كاملا تخللتها مباريات وفعاليات كرة القدم والسلة وكرة الطائرة ورياضات مختلفة ومصارعة وجمال جسمانيّ وغيرها من النشاطات والألعاب، وقد شاهدنا وحضرنا كل هذه الاحتفالات والمباريات التي جرت في حلب – حيّ السريان، والملعب البلديّ آنذاك. وننشر هنا تباعا ما أنشده الرهاويون الغيارى باللغة السريانية، وهم يذرفون الدموع السَّخية للرها التاريخية.

ܡܐܡܪܐ ܕܥܠ ܐܘܼܪܗܝ
ܐ- ܦܘܫ ܒܫܠܡܐ ܐܘܼܪܗܝ ܐܘܼܪܗܝ܄
ܛܘܼܪ̈ܐ ܡܝܩܪ̈ܐ ܕܒܝܬ ܐܒܪܗܡ ܘܐܝܼܣܚܩ ܘܝܥܩܘܿܒ ܀
ܒ- ܦܘܫ ܒܫܠܡܐ ܡܕܝܼܢ̱ܬܐ ܗܕܝܼܪܬܐ܄
ܒܙܡܝܼܪ̈ܬܐ ܘܒܗܘ̈ܠܠܐ ܕܡܫܡܫ̈ܢܐ ܘܡܕܪ̈ܫܬܐ ܀
ܓ- ܦܘܫ ܒܫܠܡܐ ܡܕܝܢ̱ܬܐ ܚܣܝܡܬܐ܄
ܕܪܒܐ ܐܦܪܝܡ ܡܠܦܢ ܩܘܫܬܐ ܕܒܝܘܠܦܢܗ ܠܥܕܬܐ ܐܢܗܪ ܀
ܕ- ܦܘܫ ܒܫܠܡܐ ܡܕܝܢ̱ܬܐ ܪܒܬܐ ܄
ܕܐܝܬܝܗܿ ܡܫܟܢ ܠܥܙܗ ܕܐܪܡ ܘܐܝܬܝܗܿ ܢܝܫܐ ܕܣܘܪܝܝܘܬܐ ܀
ܗ- ܟܡܐ ܩܪ̈ܘܝܐ ܟܡܐ ܟܬܘܒ̈ܐ ܄
ܕܪܫܘ̱ ܘܐܢܗܪܘ̱ ܡܕܪܫ̈ܬܟܝ ܀
ܘ- ܡܐܘ̈ܢ ܟܘܪ̈ܚܝܼܢ ܥܡ ܕܝܪ̈ܬܐ ܄
ܐܝܬ ܗܘܐ ܒܛܘܪ̈ܝܟܝ̱ ܘܒܓܘ ܢܚܠܝܟܝ̱ ܘܒܗܘܢ ܥܡܪܝܼܢ ܗܘܘ ܥܢܘ̈ܝܐ ܀
ܙ-ܒܥܛܪܐ ܕܒܣܡ̈ܐ ܘܨܠܘ̈ܬܐ ܄
ܕܡܢ ܥܕܬ̈ܟܝ̱ ܘܡܢ ܕܝܪ̈ܬܟܝ̱، ܡܬܪܥܐ ܗܘܐ ܡܪܐ ܟܠܐ ܀
ܚ- ܡܢܐܗ̱ܝ ܥܠܬܐ ܗܕ ܓܠܘܬܐ ܄
ܕܐܫܛܠܬ ܒܕܪܐ ܗܢܐ ܘܫܬܩܬ ܡܢܟܼܝ̱ ܠܩܠ ܢܘܨܪ̈ܬܐ ܀
ܛ- ܚܛܗ̈ܐ ܕܝܠܢ ܗܘܘ ܓܝܪ ܥܠܬܐ ܠܗܿܕ ܓܠܘܬܐ ܄
ܕܒܢ ܐܫܬܠܛܬ ܘܐܬܢܟܼܪܝܢܢ ܡܢ ܕܪ܄ܬܟܝ̱ ܀
ܝ- ܒܥܘ ܡܢܟ ܐܒܘܿܢ ܙܗܝܐ ܚܣܝܐ ܐܦܪܝܡ ܄
ܪܝܼܫ ܡܪܥܝܼܬܐ ܕܐܢ̱ܬ ܠܐ ܬܗܡܐ ܚܝܪܟ ܡܢܢ ܀

 

وَهَذِهِ ترْجَمَةُ الأنْشوُدَة:
١– وداعاً يَا مَدينَةَ الرُّهَا، وَالجباَلَ المُقدَّسَة، مَسْكنَ إبرَاهيمَ وإسحقَ ويعقوبَ.
٢– وداعاً أيتها المدينة الفوَّاحة بتراتيلَ وتهاليلَ الكُلِّياتْ والشَمامسَة.
٣– وداعاً أيتها المدينةُ المُحَصَّنَة بملفانِ الحَقِّ الذَّي أنارَ الكنيسةَ بِتَعَاليمِهِ.
٤– وداعاً أيتها المدينة العظيمة، مَوْطِنَ لُغَةَ آرامَ التي هي رَمْزُ السُّريانية.
٥– كَمْ مِنَ القُرَّاءِ والكُتَّابِ بحثوا وَأنَاروُا مَدَارِسَكِ.
٦– مِئَاتَ الصَّوامِعِ وَالأديُرة حَوَتْ جِبَالَكِ وَوُدْيَانَكِ، وَفِيهَا تَعَّبَّدَ الزُّهًادُ.
٧– إنَّ كَنَائِسَكِ وأدْيُرَتَكِ كَانَ المًوْلى يَرْتَضَيِ بِرَائِحَةِ عِطْرَ البَخوُرِ والصَلَوَاتِ.
٨– مَا عِلَّةُ هَذِهِ الهِجْرَة التي حَلَّتْ بِزَمَانِنَا، وأسْكَتَتْ مِنْكِ أنْغَامَ التَّسَابِيحِ.
٩– لَعَلَّ آثَامَنَا كَانَتْ عِلَّةَ هَذِهِ الهِجْرَة التي أبْعَدَتْنَا مِنْ دِيَارِكِ.
نَضْرَعُ إليْكَ أيُّهَا الأبُ الوَرِعْ وَالطَّاهِرْ أفرَامُ هامةُ الرَّعِيَةِ أنْ لاَ تُهْمِلَ نَظَرَكَ عَنَّا.

 

بناء الكنيسة والمدرسة السريانية وتأسيس الجمعيات والمؤسسات الخيرية والاجتماعية وكشاف الفوج السادس

إنّ كنيسة الشهيد مار جرجس الفاخرة بنيت بحلب حيّ السّريان مجانا ما عدا المواد الأولية عام ١٩٣٢ بعهد القائمقام البطريركيّ والحبر الجليل مار سيويريوس أفرام برصوم مطران سورية ولبنان، ولاحقا قداسة الحبر الأعظم مار إغناطيوس أفرام الأول برصوم بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم، وتضاهي كثير من الكنائس في الشرق بجمالها وروعتها ورونقها وهندستها، وقد سمعت من آبائنا الرهاويين الأولين أنّ يوماً حان وقت صبّ سقفية الكنيسة اجتمع في باحة الكنيسة أغلب رجال سكان حيّ السّريان منهم من يجبل الإسمنت، وقسم من يصعد الإسمنت بالسلالم إلى السقف، وقسم من النسوة اللواتي يحضرن ويهيئن طعام الغذاء للعاملين، وكان الغذاء “كبة بالعدس ” وبالأرمنية ” فوسپوڤ كيفتا “.

وقبّة الكنيسة فريدة من نوعها وطريقة بنائها، وهي أنّ القبّة والصليب من الإسمنت قطعة واحدة، والصليب يُرى من جميع الجهات صليباً، ومهندسه وبانيه من أبناء شعبنا السريانيّ الرهاوي العاديّين، ولا يحمل شهادة الهندسة، والّذي يعجز بناؤه أكبر المهندسين، ولكن مع الأسف تفسّخ هذا الصليب المكوّن من الباطون مع مرور الزمن، واستبدل بصليب معدنيّ آخر.
وفي الخمسينيات حضرت وشاهدت تبليط الهيكل والكود وأرضيّة وفناء الكنيسة، وتغيير شكل الدرج الموجود أمام الهيكل إلى الشكل الحاليّ، والمذابح الثلاثة المبنية على طراز وشكّل مذابح كنيستنا في الرها. وفي أثناء القدّاس الإلهيّ جرت العادة أنّ وكلاء الكنيسة يديرون صينيتين في الكنيسة على المؤمنين الواحدة للكنيسة والثانية للمدرسة، وطبق آخر يوضع على الطاولة في بهو الكنيسة أمام المخرج الرئيسيّ، وهي مخصّصة لمساعدة الفقراء والمحتاجين، وتوجد على الطاولة غطاء بلون السكّريّ مكتوب عليه بالسريانيّة ܛܘܒܝܗܘܢ ܠܡܪ̈ܚܡܢܐ ܕܥܠܝܗܘܢ ܢܗܘܘܢ ܪ̈ܚܡܐ، ومعناه ” طوبى للرحماء، فإنّهم يُرحمون “.
وبعد خروجهم من الكنيسة حسب العادة، يدخل المصلّون والمؤمنون إلى صالة الكنيسة ويسمّونها ” أوندالغ ” بمعنى مكان دفع العشور بالتركيّة كلمة أون ON تعني عشرة، وفي هذا الصالون يلتقي المؤمنون ويأخذون أطراف الحديث سويّة، ويشربون القهوة المرّة، ويخبرونهم إن كان هناك توصيات أو أخبار جديدة قد حدثت، ولدى مغادرتهم الصالون يلقون في الطبق ما سخت به نفوسهم، وهذه التبرّعات كلّها أيضاً تعود للجمعيّة الخيريّة المخصّصة لمساعدة الفقراء والمحتاجين.

 

الجمعيّات والمؤسّسات الموجودة في كنيسة مار جرجس بحيّ السّريان بإيجاز

١– الجمعيّة الخيريّة أو البرّ والإحسان ܣܝܥܬܐ ܕܚܘܣܢܐ:
جمعيّة خاصّة تُعنى وتهتمّ بإعالة العائلات المستورة والفقراء والمحتاجين، ولها لجنة خاصّة ومسؤولة عن جمع التبرّعات والمساعدات واسمها اللجنة الخيريّة لمساعدة الفقراء من أبناء الشعب السريانيّ الرهاوي في حيّ السريان، ويساعدون كلّ سائل محتاج، ويدفعون أيضاً رواتب أسبوعيّة للعائلات المستورة الفقيرة والمحتاجة حتّى يومنا هذا.

2– جمعيّة مواساة المرضى ܣܝܥܬܐ ܕܣܘܝܥ ܟܪ̈ܝܼܗܐ:
وهي مؤسّسة خيريّة أيضاً، تُعنى وتهتمّ بمساعدة المرضى الّذين بحاجة إلى أطبّاء للمعاينة والمعالجة أو لإجراء عمليّات مختلفة، فهذه الجمعيّة لها أطبّاء سريان أو غيرهم من الأطباء حسب التخصصات يقومون بهذا العمل الإنسانيّ مجّاناً أو بقيمة رمزيّة وشكليّة، وحين كون الطبيب غريباً عن الطائفة تقوم هذه الجمعيّة بدفع تكاليف رسوم الطبيب والدواء والعلاج أو العمليّات اللازمة والمطلوبة، حتّى يومنا هذا.
كان في الأربعينات والخمسينات والستّينات أطبّاء سريان وهم: الدكتور الرَّهاوي إبراهيم حلّاق، الدكتور الرَّهاوي حلمي عبد المجيد، الدكتور المارديني جان شيلازي، الدكتور المارديني أنيس بدليسي، وكان آنئذ أطباؤنا السُّريان في حلب معدودين على الأصابع، وشكراً للّه في السبعينات والثمانينات، وبعده أصبح لنا أطبّاء لا يُحْصَونَ ولا يُعدُّونَ من شبابنا وشابّاتنا الرَّهاويين بتخصصات مختلفة ومتعدّدة، وأطبّاء تحليل ومراكز التصوير الطبقيّ المحوريّ.

3ـ دار العجزة أو المسنّين ܒܝܬ ܣܒ̈ܐ:
مكانٌ خاصْ لإيواء الشيوخْ والمسنّينَ والمسنّاتْ الّذين لا مُعيلَ ولا مُعيّنَ لهم، لهم سكن خاصّ يأوون إليه، يعيشون فيه ويُشرف عليهم المسؤولون والمشرفون الخاصون، وتأمين كلّ ما يلزم من مبيت وطعام وشراب ولباس، وكثير من الأحيان يتبرّع المُحسنون بالتبرّعات المختلفة بمبالغ أو مأكولات، وتقوم الطائفة السريانيّة المسؤولة بكلّ ما يلزم لحياتهم أوفي مماتهم.

4 ـ كشّاف الفوج السادس ܒܕܘܩ̈ܐ ܣܘܪ̈ܝܝܐܕܓܘܕܐ ܫܬܝܬܝܐ:
المعروف بحلب بشهرته ونشاطه رسميّاً وطائفيّاً واشتراكه في مهرجان ١٩٥٦ المعروف والشهير، واشتراكه في الاستقبالات والاحتفالات، وكان يرأسه في الخمسينات المرحوم شكري جمال شربتجي، وعبد النور بطرس توكمه جي، وجان توكمه جي وغيرهم، من الغيارى الّذين خدموا وضحّوا الغال والنفيس في سبيل الكنيسة والشعب والموسيقى المعروف فهمي طوبال، وكان لدينا كشّاف ومرشدات وجراميز من كلّ الرُّتبْ والدَّرجاتْ، وَذكرَ لي مرّة الخوري إبراهيم دنهش: كلُّ استقبالٍ لا يشتركُ فيه الرَّهاويون لا يُعتبرُ استقبالاً حافلاً ونَاجِحَاً، وهم جَديِروُنَ أنْ يَرفعَ الناسَ لهم القُبَّعَة.

5 ـ نادي الشهباء الرياضيّ:
نادي الشهباء الرياضيّ مُؤسّس منذ الأربعينات، ومعروفٌ في حلب بألعابه المختلفة من كرةِ القدم، والسلّة، والطائرة، والمنضدة، والمصارعة، وحمل الأثقال، وقد اشتهر النادي أيّام ترأّسه السادة أوجين كلور، وجان كلور، والدُّكتور الخوري جوزيف ترزي قبل رسامته كاهناً، والبير قس برصوم، وغيرهم من الغيارى الّذين ضحّوا وتعبوا وخدموا مجَّاناً، وفي الخمسينات كان النادي في عصره الذهبيّ أيّام مهرجان ١٩٥٦ كما تمَّ ذكرُه سابقاً، ومع ظروف الأيّام والأوضاع تغيّر اسم النادي بـ ” نادي الجلاء الرياضيّ ” ولا يزال.

 

وكلاء كنيسة مار جرجس

إنّ وكلاء كنيسة مار جرجس الذينَ أتذكّرهم وأنا شمّاس صغير في الكنيسة هم المرحومون: بطرس وكيل والد ملفونيثو جوزفين وراحيل وكيل، وبطرس بيشار والد الحَاجْ بشير بيشار، وحنّا جرّاح، جورج ساعاتي، وصهرنا صليباً سعادة، واستيفان حنّا طاشجي.

الكهنة والشمامسة الرَّهاويون الّذين عاشوا في الرُّها وحلب

الكهنة والشمامسة الّذين عاشوا في الرُّها وحلب، والكهنة الرَّهاويين الّذين ارتسموا لاحقاً، وخدموا في بلدان عديدة، والّذين ارتسموا لكنيسة مار جرجس بحلب – حيّ السريان، وميزتهم من الأصوات والألحان.

أذكر وسمعت عن بعض الكهنة الّذين كانوا في الرُّها وخدموا في بلدان مختلفة وهم: القس يوسف كيراكوس الرَّهاوي، والقسّ حنّا رسّام الرَّهاوي في الحسكة والد جبرائيل رسّام مدير بريد الحسكة، إذا رتّل في مكان يُسْمَعُ صوتَه فيِ المنطقة كلّها نظراً لقوّة صوته وحلاوته، والخوري بطرس سيوري الرَّهاوي في ويسترماس – بوسطن الولايات المتّحدة الأمريكيّة، ورأيته بأمّ عيني في الخمسينات في أثناء زيارته لكنيستنا في حيِّ السُّريان.
بعد الهجرة بداية كان يخدمهم الخوري إبراهيم دنهش الصَدديّ، وبعدئذ المثلّث الرَّحماتْ البطريرك أفرام الأول برصوم رسم الكاهنان القسّ حبيب توكمه جي الّذي كان اسمه المدنيِ عبد المجيد، وسمّاه في أثناء الرَّسامة حبيب تيمّناً بأحد تلاميذ مار أفرام السرياني، والقس آداي توما الّذي كان اسمه عيسى، وأسماه بالسُّريانية آداي تيمُّناً باسم أدّى البشير، شقيق توما الرسول الّذي شفى أبجر الخامس أوكومو ملك الرها، وكلاهما رُسما في كنيسة أمّ الزنّار بحمّص، وكانوا يتمتعان بأصوات رخيمة وألحان شجيّة عذبة.
وكان البطريرك أفرام يعشق ذوي الأصوات والمقامات، وكان مُعْجَباً جدّاً بكهنة وشمامسة الرُّها ودياربكر وماردين وحتّى في قدّاس تقديس كنيسة مار يعقوب النُصيبيني في القامشلي كان قداسته يوعز للشمامسة الرَّهاويين والدياربكرليّين أن يُسمعوا أصواتهم وألحانهم في قدّاس التقديس، وكان للقسّ حبيب توكمه جي النصيبُ الأكبرْ والأكثرْ في خدمة القدّاس الّذي اصطحبه قدّاسته معه خصّيصاً لهذا، فرتَّلَ تخشّفت ܬܪܥܗ ܕܓܢܘܢܐ تارعي داغنونو وهي ابتهالات تُقال وتُرَتَلْ قبلَ بداية القُدَّاس أثناء حضورالبطاركة والإحتفالات الرَّسمية، وجميع الأقوال الرئيسيّة من ܣܛܘܡܢ ܩܐܠܘܣ ܩܘܪܝܠܝܣܘܢ، ܘܐܒܐ ܐܚܝܕ، ܘܕܐܒܗ̈ܬܐ أي سطومين قالوس قوريليسون افتتاحية وبدء القدّاس الإلهي، وآبو آحيد، ودببيت.

كما رسمَ البطريرك أفرام برصوم الخوري إلياس شيلازي والد الدكتور جان ومنصور شيلازي كاهناً لكنيسة مار أفرام بحلب لحلاوة صوته وألحانه ومقاماته، وكان نائباً بطريركياً بحلب قبل رسامة مار ديونيسيوس جرجس القسّ بهنام مطراناً لحلب ١٩٥٠، وأعتقد انتقل الخوري إلياس إلى جوار ربّه عام ١٩٥٦ وآنئذ كنت تلميذاً في المدرسة، وحملت إكليلاً من الزٌّهور في جنازته، والخوري إلياس شيلازي إذا احتفل بالقدّاس بكى وأبكى.
والكهنة الرَّهاويون الّذين ارتسموا لاحقاً في بلدان مختلفة ولمدن متعدّدة وهم: الخوري بول ميخائيل لكنيسة مار بطرس وبولس في بيروت – المصيطبة وانتقل لاحقاً لكنيسة مار أفرام في الأشرفيّة، الخوري منير بربر الّذي ارتسم في كنيسة مار جرجس بحلب – حيّ السُّريان لكنيسة مار يوحنّا المعمدان في سان باولو – البرازيل ١٩٧١ ونُقلت خدماته لكنيسة القدّيس مار بطرس في ستوكهولم – السويد عام ١٩٧٦. الدكتور الخوري جوزيف ترزي ارتسم لكنيسة مار برصوم في تورنتو – كندا ونُقلت خدماته إلى كنيسة مار أفرام ومار يعقوب في لوس أنجلوس – كاليفورنيا غرب الولايات المتّحدة. القسّ يعقوب توما رسم لكنيسة الرَّسولين مار بطرس ومار بولس في بيروت – المصيطبة، ونُقلت خدماته إلى مدينة بوروص – السويد وهو الآن متقاعد. القس جورج كلور رُسم لكنيسة مار جرجس بحلب – حي السّريان ولا يزال. المرحوم القسّ أفرام حنّا أبكر رُسم لكنيسة السيّدة العذراء بمدينة حماة – سوريّة وانتقل إلى جوار ربّه. القسّ أنطوان دلي آبو رُسم لكنيسة مار جرجس بحلب – حيّ السريان، ونُقلت خدماته إلى يوتيبوري وثمّ إلى كنيسة مار متى ومار بهنام هودينكي – السويد. القسّ يوسف كللُّو رُسم كاهناً لكنيسة مار توما في سان هوزي – كاليفورنيا غرب الولايات المتّحدة. الخوري باسيل زكريّا رًسم لكنيسة مار يوحنّا في منطقة مارشتا – سيكتونا السويد، ويتميّز أغلبُ الكهنة والشمامسة الرَّهاويين بالأصوات الجميلة الرَّخيمة وألحانهم ومقاماتهم العذبة، وحتّى في تركيّا الأوّل في الأصوات والمقامات والألحان والأغاني هي الرُّها والرّهاويون “الأورفليِّين” وأشهرهم إبراهيم طاتلي ساس، ونوري ساسي كوزال، وسيف الدِّين سوجوق، ومعلّمهم صاحبُ المواويل والغزالات المطرب المشهور والمعروف المرحوم بديع قازانجي الّذي تعلّم منه المطرب إبراهيم طاتلي ساس الشيء الكثير، وإذا بديع سحب موالا إبراهيم طاتلي ساس بكى.

 

الشمامسة الرَّهاويون في الرُّها وحلب

وهم: عبد الغني شمّاس، حنّا طحّان المعروف ” سكاف حنّا “، حنّا اسطيفان، إبراهيم أسطو، باسيل ميناس المعروف جيكارجي باسيل، سامي أسطو وأخاه، عبد النور سيوركلي، إبراهيم توكمه جي، يوسف شمّاس، كره بيت أعمى، عبد المسيح حدرولي، نوري إسكندر، سمعان زكريّا، جورج قسّ حبيب توكّمه جي، فهمي طحّان، يعقوب طحّان، حنّا كره بيت أعمى، هنري جبلي، إبراهيم حدرولي، سمعان حدرولي، بطرس حدرولي، جورج قمر، إبراهيم بربر وغيرهم من الشمامسة الجدد.
هؤلاء الشمامسة الكبار وخاصّة الّذين كانوا شمامسة في الرُّها كانوا شمامسة عمالقة كبار، أصحاب أصوات ومقامات رهيبة، تعلّمنا منهم الكثير من الألحان والتخشفتات والقاتوليقيّات وتراتيل الدَّوراتْ الّتي تُقال وتُرتّل في الأعياد الرسمية الرَّحسمية والربّانيّة. كانت القداديس والأكاليل والقاتوليقيّات والتراتيل تُقام أثناء الدورات في كلّ الأعياد والمناسبات باللغتين السُّريانيّة والتركيّة، فتعلّمنا الكلمات وألحانها، ونعتزُّ بها ولا سيّما أيّام عيد الميلاد وعيد الغطاس والدّنح أي عماد السيّد المسيح ويوم الجمعة العظيمة، والقيامة. في عيد الغطاس الساعة الثالثة صباحاً باكراً في الظلام الدَّامس كنّا نذهب كهنة وشمامسة وبأيدينا الشموع والمبخرة والمراوح لنستقي ماءً طبيعيّاً من البئرْ، ونملأ قنّينة العماد، ونحتفل بعماد السيّد المسيح في عيد الصليب على أنغام وتراتيل ܬܘ ܐܚ̈ܝ ܢܐܙܠ ܢܚܙܐ ܠܒܪܐ ܟܕ ܥܡܕ ومعناه هلمّوا أيّها الإخوة لنذهب ونرى الابن وهو يعتمد. منظرٌ رهيبْ وَمَهيبْ لا يُضَاهيهِ منظرٌ آخرْ.

 

منديل السيد المسيح وأبجر الملك وأدى البشير

منزلة الحادث

تبرز قصة المنديل، وأبجر الملك في فجر العصر الرسولي فورا، وتتبلور بصورة جلية لتنتظم في سلسلة الأحداث الإنجيلية، وتأخذ مكانتها في مصاف الأعمال الرسولية، فتغدو على مستواها تماما.
من المعلوم أنّ ما جاء في الأناجيل الأربعة يتناول أحداث السَّنوات الثلاث الأخيرة من حياة السيّد المسيح، بدءاً من عماده وحتّى صعوده إلى السماء، باستثناء الفصلين الأوّلين من كلّ بشارتي متى ولوقا اللّذين يدوران حول طفولته.

إذا ما قارنّا كمّيّة الأحداث المذكورة بالنسبة للزمان لرأيناها قليلة ضئيلة، فالأحداث تقوم على ثلاث نقاط رئيسة، الأولى تعاليم السيّد المسيح، وقد لخّصها الإنجيليّون في تسعة وعشرين مثلاً، وثلاثة وعشرين حديثاً على وجه التقريب، والثانية عجائبه ومعجزاته ذُكر منها ثلاثون معجزة، أمّا الثالثة طهارة حياته ونهايتها على الأرض، ولا يُعقلْ أن يكونَ هذا كلّ ما حدثَ طيلة السَّنوات الثلاث والنصف، فلا بدّ أن يكون هنالك أمورٌ أخرى جرت لم يسجّلها الإنجيليّون في أسفارهم كقول القدّيس يوحنّا ” وآيات أخرى كثيرة صنع يسوع قدّام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب5 ، وأمّاً لماذا لم تُكتب، فذلك تمّ كلّه بإرشاد الروح القدس الّذي ساق الإنجيليّين لاختيار أحداث، وترك أحداثاً أخرى.
بناء على ما تقدّم نجزم جزماً قاطعاً على أنَّ هذا الحادث من نوع الأحداث الإنجيليّة غير المكتوبة، وهو بمنزلةِ الأحداث المكتوبة، لا بل نُرَجِّحُ مع العلماء الثقات6 أن يوحنّا الإنجيليّ كان يشير إلى وفد أبجر الملك بقوله “وكان أناس يونانيّون – الأمم – مِنَ الّذينَ صَعِدوُا ليسجدوا في العيد، فتقدّم هؤلاء إلى فيلبس الّذي من بيت صيدا الجليل، وسألوه قائلين يا سيّد نريد أن نرى يسوع7 ” .

تفصيل الحادث

أجمع المؤرّخون على أن أبجر الخامس – أوكومو – ملك الرُّها كانَ مُصَاباً بمرض البَرصْ الوبيل، وقد عانى منه كثيراً وطويلاً، ولمّا طرق سمعه خبر السيّد المسيح، وتواردت إليه أنباء آياته ومعجزاته الّتي كان يصنعها في اليهوديّة والجليل، من شفاء الأمراض المتنوّعة بقوّته الإلهيّة فقد تاق إلى رؤياه، وحنّ إلى لقائه ليشفيه من مرضه.

 

أبجر يرسل وفداً إلى السيّد المسيح، ويتبادلان الرسائل

بعث أبجر8 إلى السيّد المسيح وفداً برئاسة حنانيا المُصوّرْ، وَحَمَّلَهُ رسالةً بالآراميَّة السُّريانية يسأله القُدومَ إليه ليشفيه من مرضِه، وَيُعرِضُ عليه السكنَ معه في مدينتِه الجَّميلة الصغيرة الرُّها، وفيها أيضاً يعترف بألوهيِّتهِ هذا نصّها:

من أبجر الأسود حاكم الرُّها إلى يسوع المخلِّصْ الصالح الّذي ظهر في أورشليم:
سيّديِ سَلامٌ عَليكَ وَبعْدْ:
فإنّه بلغني عنك وعن طُبّك الرٌّوحانيّ، أنّك تُبرِئُ الأسقامَ بغير أدوية ولا عقاقير، تجعل العميانَ يُبصرون، وَالعُرجَ وَالمخلعينَ يمشونْ، وَتُطهِّرُ البُرصَ وَتُخرجُ الأرواحَ النجسة والشياطينَ، وَتشفيِ المصابينَ بأمراضٍ مُستعصية، وَتُقيمُ المَوتى، فقرّرتُ في نفسي من ثمّ وحملتُ أمركَ على إحدى الحالتين، إنّك إمّا إلهٌ نزلَ منَ السَّماء أو ابنَ اللّه، فإنّي أسألك أنْ تُكلِّفَ نفسَك، وتأتي إليّ لتشفيني ممّا بي منْ سَقَمٍ. وقد بلغني أيضاً أنّ اليهودَ يشكون منك، ويريدونَ الإيقاعَ بكَ، وَيبيتونَ لك السوءَ، فإنَّ لي مدينةٌ صغيرةٌ حسنة جدّاً تكفيني وإيّاكَ نسكن فيها بهدوءٍ وسلامْ “.

 

بعض الصور مأخوذة من صفحة الملفونو ألبير ترزي

 

 

ولمّا وصل أعضاءُ الوفد إلى أورشليم، وقابلوا السيّد المسيح، وسلّموا إليه الرِّسالة فقرأها، وإذ لم يُلبِّ طلبَ الملك بشأن الذهاب إليه، فقد أنعمَ عليه بكتابةِ رسالةٍ جوابيّة هذا نَصُّها:
” طوبى لك يا من آمنت بي، دون أن تراني، لأنّه مكتوب عنّي أنّ الّذين يرونني لا يؤمنونَ بي، والّذين لا يروني يؤمنونَ وَيَخلُصُونْ، أمّا بخصوص ما كتبتَ إليّ لكي آتي إليكَ، فإنّه يجب أنْ أتمِّمَ هنا ما أرسلني أبي من أجله، وبعد إتمامه أَصْعَدُ ثانيةً إلى أبي الّذي أرسلني، وبعد صعودي سأرسل إليك أحداً من تلاميذي يُبرّئُ سقمكَ ويمنحك، ومن معك حياة الأبد “ولتكنْ مُبَارَكاً وَمَديِنَتُكَ فلا يَتَسَلَّطُ عَدُوٌ عَليهَا”
روى المؤرّخ أوسابيوس القيصريّ أنّ السيّد المسيح قد أمْلى الرِّسالةَ على مار توما الرسول9 ، ويعتقد الرُّوم أنَّ هاتينِ الرِّسالتينِ خُطّتا على ورق طومار بالسُّريانية سنة ٣٢، وظلّتا محفوظَتينِ في الرُّها في المكتبة الرَّهاوية حتّى القرن الحادي عشر.
وفي تشرين الأوّل سنة ١٠٣١، استولى الرُّوم على الرُّها فسار صاحبها سليمان ابن الكرجيّ إلى رومانوس الثالث ملك الروم في القسطنطينيّة، فصحب معه الرِّسالتين، وخرج الملك والكسيوس البطريرك، وجميع أهل المدينة لاستقبالهما، وتسلَّمها الملك بخشوعٍ وورعٍ تعظيماً لكتاب السيّد المسيح، وأضافهما إلى الآثار المقدّسة في بلاط الملك10 ، وقد أكّد ذلك أبو نصر بن يحيّ بن جرير التكريتيّ الّذي شاهدهما والمنديل بأمّ عينه وتبارك منهما. هذا وأنَّ الرِّسالتينِ تُرجمتَا إلى اليونانيّة ثانية، فالعربيّة. وفي القرن الثالث عشر لما التهمت النَّار البلاط الملكيّ في القسطنطينيّة حرقت الرِّسالتين أيضاً مع خزانة الكتب حيث كانت محفوظتين11 .

 

صورة عن منديل السيّد المسيح 

كان أبجر قد أوصى حنانيّا المُصَوِّرْ أن يجلبَ له صورةَ السيّد المسيحْ على لوحٍ، ليراها فيما إذا أبى المسيح أنْ يصحبه، ولمّا أخذ حنانيّا الجوابَ مِنَ المسيحْ، جعلَ ينظرُ إليه، ويُصَوِّرُ صورته في منديلٍ، لأنّه كانَ مصوّراً، غيرَ أنَّ السيّدَ المسيحْ كاشفُ الخفايا، عَلِمَ بالأمرِ فطلبَ ماءً، وَغسلَ وَجْهَهُ وأخذَ منديلاً، وتمندلَ به ماسحاً بهِ وجهَه، وللحالْ انطبعت به صورتَهُ، وأعطاه الرِّسالة لوفدِ أبجرْ12 .

 

عودة الوفد إلى أبجر والمنديل

بعد استلام أعضاء الوفد الرسالة والمنديل، توجّهوا معاً إلى الملك أبجر، وصلوا إلى مدينة منبج في الليل، وقرَّروا البقاءَ في كوخٍ قريبٍ منها ليمضوا الليلة هناك. حافظوا على المنديل بعناية كبيرة، وضعوه فوق الكوخ، وأخفوه بين قرميدين في موضعٍ نظيفٍ وملائمْ.
بينما كانوا نائمين، شاهدوا نوراً ساطعاً يَنزِلُ من السَّماء إلى الموضع الّذي وُضعَ فيه المنديل. عندما رأى سكّان المدينة هذا المشهد العجيب، تجمّعوا في مكان الحادث. وعندما لم يستطع أعضاء الوفد إخفاء الأمر، أخبروهم بالتفاصيل. وعندما علم سكّان المدينة سبب نزولِ النُّور، طلبوا أن يتباركوا مِنَ المنديل بعد أن رأوا هذه المعجزة العظيمة بأم أعينهم.

لمّا مدَّ حنانيّا ليأخذ المنديل وجد أنّ صورة السيّد المسيح قد انطبعتْ على القرميدتين، ولمّا رأى أهل المدينة هذه الأعجوبة الثانية شُغفوا بحبّه، وطلبوا إلى حنانيّا أن يتركَ لهم القرميدتين لبركة بلدهم، وحفظه من الآفات. فأخذوا القرميدتين في موضع مكرّمٍ في معبدهم، وكانت تُجري منهما الكرامات والعجائب الكثيرة، حتّى جاءهم فيليبس الرَّسول، وتلمذَهم وبنى كنيسة كبيرة، ووضع فيها القرميدتين المقدّستين. ولمّا مات الرَّسول شهيداً من أجل المسيح وُضِعَ جُثمانَه الطَّاهرْ في تلك الكنيسة أيضاً13 ، ثمّ أخذ الوفد المنديل، وأتوا به إلى الرُّها واستقبلهم أبجر الملك وأهل المدينة على بكرة أبيها، بكلّ حفاوةٍ وإكرامْ، وتبارك أبجر من المنديل المقدّس، ونال به الرَّاحة من سقمه، حتّى جاء الرسول أدّى إليه بعد صعودِ المسيحْ، فعمّده ومنحه الشفاء الكامل14.

 

أدّى البشير عند أبجر الملك في الرُّها

بعد قيامة السيّد المسيح من بين الأموات، وصعوده إلى السماء، أرشد الوحي توما أحد الرسل الاثني عشر، فأرسل أخاه أدّى أو تداوس أحد المبشّرين الاثنين والسبعين إلى الرُّها، لينادي بالإنجيل هناك، ليتمَّ على يديه وعدَ السيّد المسيح لأبجر. عندما وصل أدّى إلى الرُّها نزل في بيتِ شخص يهودي طوبيّا بن طوبيّا، وأخذ ينادي ببشرى الخلاص، ويجترحُ الآيات والمعجزات، ويشفي الأمراض بقوّة اللّه، حتّى تعجَّبَ جميعُ أهل المدينة وذاع أمره، فلمّا سمع أبجر بكلّ ذلك بدأ يشتبه بأنّه هو التلميذ الّذي أشارَ إليه المسيح في رسالته، فاستدعى طوبيا وقال له: سمعتُ رجلاً ذا سلطان أتى إلى المدينة وهو ساكن في بيتك، أَحْضِرْهُ إليّ. فأتى طوبيا إلى أدَّى وقال له: استدعاني أبجر الملك، وأمرني أن آخذك إليه لتشفيه، فقال أدَّى سأذهب لأنّي أرسلتُ إليه بسلطانْ.

وفي اليوم التالي بادر طوبيا، فأخذ أدَّى وجاء به إلى الملك، حيث كان مجتمعاً إلى عظماء مملكته، وحالما دخل ظهرتْ رؤيا عظيمة لأبجر في وجه الرَّسول أدّى، ولمّا رآها أبجر ألقى بنفسه أمام قدميْ أدًّى، وقد انذهلَ الحاضرون لأنّهم لم يروا الرُّؤيا الّتي ظهرتْ لأبجرْ. سأله هل أنتَ هو حقّاً تلميذ يسوع ابن اللّه الحيّ، لقد وعدني بإرساله إلي ليشفيني؟ قال أدّى، لأنّك آمنت بمن أرسلني إيماناً قويّاً، فقد أُرسلت إليكَ، فإن كُنْتَ ثابتاً على إيمانك فليكنْ لكَ سؤالَ قلبِكَ.
قال أبجر لقد آمنتُ به، وما زلتُ راسخاً في إيماني، حتّى أنّي وددتَ إرسالَ قوَّةٍ لإهلاكِ أولئكَ اليهود الّذينَ صلبوه، ولكنَّ ملك الروم حال دون ذلك. قال أدّى سيّدنا أكملَ إرادة أبيه، ثمّ ارتفع إليه، أجاب أبجر إنّي آمنت به وبأبيه. قال أدّى، لذلك سأَضَعُ يدي عليكَ باسمهِ القُدُّوسْ، ولمّا فعل ذلك شُفي للحالِ من المرض الّذي كان مُبْتَلى بهِ. فذُهلَ أبجرْ لأنّه كما سمعَ من المسيح، هكذا نال بالفعل على يدي تلميذه أدّى الّذي أبرأه دون دواء.

وكان في بلاط الملك شخص يدعى عبدو بن عبدو، كان قد أُصيب بداء النقرس (داء الملوك)، هذا لمّا رأى أعجوبةَ شفاءَ أبجرْ، سقط عند قدميّ أدّى طالباً منه الشفاءَ، فصلّى أدّى عليه فشُفي، وأبرأ أيضاً الكثيرين من سكّان المدينة، وصنعَ عجائبَ وأعمالاً مُدْهشة، ونادى بكلمة اللّه.
بعد هذا كُلِّهِ قال أبجر أنتَ يا أدَّى تصنع هذه الأمور بقوة اللّه، ونحن نتعجّب، ولكنّي علاوةً على ذلك، أتوسّل إليك أنْ تُحدِّثنا عن المسيح، كيف جاء، وولد، وعن موته، وسائر أعماله. قال أدّى الآن سألتزم الصمت، ولكن غداً قمْ بجمعِ كُلِّ أهلِ المدينة، وسوفَ أتحدّث إلى الجميع عن الموضوع المطلوب بالتفصيل. وعلى أثر ذلك أصدرَ أبجر أمره لأهلِ المدينة، فاجتمعوا في الصباح الباكر لسماع كرّازةَ أدّى، فقصَّ لهم أحداثَ سياسَة المسيحْ الخلاصيّة برُمَّتِهَا. ثمّ أمر الملك بأن يُعطى لأدى ذهباً وفضّةَ، فَرَفضَ قائلاً إنْ كنّا نحنُ قد تركنا أموالنا الخاصّة، فكيفَ نأخذُ ما هو لِغَيرِنَا؟

 

المنديل في التاريخ

المنديل في الرُّها: لنعود إلى أمرِ المنديل فنقول: إنَّ أوّل عمل عُنّي به أبجر بعد تنصّره، كان تشييد كنيسة كبرى كرَّسَها مارّ أدّى البشيرْ، وأقام فيها الذبيحة الإلهيّة، واشتركَ في الأسرار أبجر وأهل المدينة. وقد رَجَّحَ المثلّث الرَّحمات مار غريغوريوس بولس بهنام مطران أبرشيّة بغداد والبصرة احتمال وضع المنديل في هذه الكنيسة في أوّل الأمر15 والمراجع التاريخيّة تؤكّد نقله إلى كنيسة مارّ قوزما في القرن الرابع16 ، وسبب ذلك أنّ رجلاً شرقيّاً زار كنائس الرُّها، وكان قد سمع بخبر المنديل وقرّر سرقته، فدخل كنيسة الرُّها القديمة الّتي كان فيها المنديل، وسرقه وأخفاه في عبِّه، وخرجَ من باب المدينة الشِّمالي مساءً، وبات في كنيسة مار قوزما، فأضرم المنديل عبَّه ناراً، فَذُعِرَ وألقاه في بئر الكنيسة نفسها، فظهر حالاً عمودٌ ناريٌّ يَهْبِطُ من السَّماء إلى البئرْ، فتقاطر الناس ليشهدوا الحادث، ولمّا حدَّقوا في البئرِ رأوا أشعّة تَتَدَفَّقُ من شيء يشبه قرص الشمس، فنزل بعضهم إلى البئر، ووجدوا المنديل وأخرجوه ووضعوه في كنيسة مار قوزما وبقي محفوظاً فيها17 .

 

البئر المقدَّسْ

قبلَ أنْ نتتبّع المنديلَ في التاريخْ، لنقف عند البئر وقفة قصيرة فنقول: كلُّ شيء مهما كان بسيطاً إذا حلّ فيه المسيح يغدو مقدّساً رفيعاً، يتبوّأ منزلة الإكرام والإجلال. فقد حلَّ في أحشاءَ العذراء تلك الفتاة القرويّة البسيطة الوضيعة، فذاع أمرها وارتفع شأنها، وعلا مقامها حتّى أصبحت سماء ثانية، وَوُضعَ في المذود عند ميلادِه، فأضحى هذا المذود البسيط مزاراً يَؤمُّهُ البشر من مختلف أنحاءِ الدنيا على مَرِّ وَكرِّ العُصُورْ. وهكذا الأمر في البئر، فقد طُرِحَ المنديلُ المنطبعة عليه صورة المسيح، فأضحى بئراً مقدّساً، ونبعُ الشِفاءْ، يتوافدُ المَرضى إليه من كلّ مكان، فيشفوا جميعهم عند استحمامهم بمائه، وظلَّ هذا البئرُ المقدّس يَشفيِ المَرضى المُصابين بالأمراض المستعصية مدّة طويلة من الزمن.

ولمّا افتتح الرُّها عماد الدين الزِّنكي في القرن الثاني عشر، كانَ مُصاباً بداءِ النَقرسْ في إحدى رجليه، فأخبره مطرانُ الرُّها عن أمر البئر، فخفّ مُسرعاً إليه قائلاً: إنّني على إيمانٍ وطيدٍ أنَّ السيّدَ المسيحْ قادر أن يُعيدَ لي قوّتي، وَيُطَهِّرَ جسمي من أوصابه، فانتشلَ بنفسه دلواً من مائه، واغتسلَ به فشُفي من مرضه. وبنى فندقاً عظيماً بقربِ البئر لينزل فيه المرضى، وحبس عليه أرزاقاً طائلة تكون مورداً للفندق ونزلائه المصابين بأنواع الأمراض، وهكذا أضحى هذا البئر ينبوعاً للشفاء يؤمُّهُ المصابونَ من مختلف المِللْ، فينالونَ الشفاءَ من أمراضهم18.

لنتتبَّع المنديلُ في التاريخ، إنّه الآن كما علمنا في كنيسة مار قوزما في الرُّها، وبقي هناك زمن طويل قبل أن يستولي عليه المسلمون، خلال هذه الفترة ما بين القرن الرابع واستيلاء المسلمين على الرُّها، تمكّن الرَّهاويونَ الخلقيدونيّون من الاستيلاء على معظم كنائسنا في الرُّها عنوةً بقوّةِ ملوك الرُّوم الّذين على مذهبهم.
فقد روى المؤرّخون السُّريان طرفاً من ذلك منها: أنّ موريقي أثار اضطهاداً عنيفاً على الأرثوذكسيّين، وأوعز إلى ابن شقيقه دوميطيانس مطران ملاطيّة أن يتبنّى هذا الاضطهاد، فأصلى هذا المطران الخلقيدونيّ ناراً حامية على الأرثوذكسيّين، نفياً وقتلاً، واغتصاب الكنائس، فذاق مؤمنو ما بين النهرين ألواناً من العذاب.
فلمّا وصل هذا المطران الغاشم إلى الرُّها صبَّ جاماتَ غَضَبِه على الرَّهاويين، وتمادى في الشرّ بشكلٍ بشعْ حتّى أنّه طلب إلى رهبان أحد الأديرة في الجبل المقدّس بترك أرثوذكسيّتهم وإلّا قُتلوا ذبحاً، وبعد أن بذل قصارى جهده بشتّى الوسائل لم يستطع تهديده ووعيده أن يُؤثِّرَ فيهم، إذ كانوا راسخين في أرثوذكسيّتهم رسوخَ الجبال، فأمرَ من ثمّ سقلاريوس قائد معسكر موريقي، فساقهم خارجاً وذبحهم دفعة واحدة، وكان عددهم أربعمائة نفس19.
ظلّت كنائسنا بيد الخلقيدونيّين مدّة عشر سنوات حتّى سنة ٩٢٢ لما تولّى كسرى على الإمبراطورية الفارسيّة، واستولى على بلاد ما بين النهرين طرد الرُّوم، وأمر بإعادةِ الكنائس إلى الأرثوذكسيّين.

وقد مُحيَ ذِكرُ المجمع الخلقيدونيّ من الفرات حتّى المشرق، وأرسل كسرى فجلب أساقفة من المشرق، وأقامهم على أبرشيّات ما بين النهرين.
ولمّا تولّى هرقل الإمبراطورية الرُّومانيّة، جاء إلى الرُّها ومكث فيها مدّة، وَوُجدَ في أحد الأيّام في البيعة الكبرى، وَرَغِبَ في أن يتناولَ القربان المقدّس غيرَ أنَّ أشعيا مطران الرُّها منعه من التناول ما لم يحرم المجمع الخلقيدونيّ وطومس لاون، فاتّقد القيصر غضباً، وطردَ المطران من الكنيسة الكبرى، وسلّمها للرُّوم أتباع مذهبه، وكان أبناء كنيستنا يتوقّعونَ العودةَ إلى كنيستهم مع مطرانهم بعد ذهاب الملك إلى العاصمة، فحال فتح العرب للبلاد دون ذلك، إذ أقرّ هؤلاء لكلِّ ملّة ما وجدوه في حوزتها من الكنائس عند الفتوح، وعلى هذه الطريقة اغتصب ملوك الروم كنائسنا الكبرى في الرُّها وغيرها، وفيما استولوا عليه ولا شكّ المنديل المقدّس كما أثبت ذلك مارّ ميخائيل الكبير بقوله “أما أنّ الصورة كانت في حوزة الرهاويّين الملكيّين ” الخلقيدونيين” قد صارت إليهم من عهد ملوك الروم20 ، ثمّ استعادها منهم أثناسيوس بن جوميّة في عهد الخليفة الأمويّ عبد الملك بن مروان، إذ كان أثناسيوس هذا من عِلِيَّةِ القوم في الرُّها وَقُطبُ أسرةِ آل جوميا الرَّهاوية السُّريانية ٦٨٥– ٨٠٤ وجَدَّها الأعلى، اشتهرَ بإيمانِه وعفّتِه وأفضالِه، وقدْ حظيَ بمنزلةٍ مرموقةٍ عند الخليفة عبد الملك، وعيّنه مستشاراً لأخيه الفتى عبد العزيز بن مروان عندما أقرّه على أمرة مصر21.

ومن أجل أعماله استعادته المنديل المقدّس من الملكيين الرَّهاويين وَكيفيَّة ذلك: فظلَّ على أهلِ الرُّها في بعض السنين خمسة آلاف دينار من الخراج، ولم يكن لديهم ما يدفعونه إلى غريمهم، فأسرَ رجل خبيث إلى الجابي محمّد بقوله: إن وضعت يدك على صورة السيّد المسيح المعروفة بصورة المنديل باع القوم أولادهم ونفوسهم وافتدوها، فلمّا فَعلَ جزع الرَّهاويين وقالوا له أنَّهم يبذلون كلّ ما ملكت أيديهم، بل يفضّلون المنيّة على أنْ يفقدوا الصورة، ولمّا أعياهم الأمر قصدوا إلى الزعيم النبيل أثناسيوس، وسألوه أن يؤدّي عنهم المال المطلوب، ويرتهن الصورة منهم حتّى يوفوه حَقَّهُ فلبى الرجل سؤلهم مغتبطاً مسروراً ، وجاء بمصورٍ بارعٍ تقدَّمَ اليه بتصوير مثلها.
ولمّا أتمّ عمله، وقد حازت الصورة الجديدة الصورة القديمة جهد الطاقة عالج أصباغها بما يوهم قِدَمَهَا، وبعد حين وَفَّى القوم دَيْنَهُمْ، وطالبوه بالصورة فأعطاهم الجديدة، ولم ينتبهوا لها، وبعد بضع سنوات ابتنى بيت المعمودية، وشادَ هيكلاً فخماً عجيباً بالغ في تزيينه وزخرفته، فغشاه بالرُّخام وَصَفَّحَهُ ذهباً وفضّةً إكراماً لتلك الصورة الثمينة والتحفة الطريفة الّتي وضعها فيه، وعمل له قنوات للماء كما صنع الأسقف أمازونوس (هو الأسقف الملكي الذي كان حيّاً سنة ٥٥٣) في بيعة الرُّها العتيقة الكبرى باذلاً في هذا المشروع العظيم أموالاً لا تحصى ودعاه بيت الصورة المارانيّة ” الرئيسيّة ” وبعد مدّة من الزمان أخبر الرَّهاويون بحيلةِ الأمرِ22.

 

نقل المنديل إلى القسطنطينيّة

ظلّ المنديل المقدّس، كما قلنا محفوظاً في كنيسة مار قوزما في الرُّها زمناً طويلاً، قبل أن يستولي عليها المسلمون، ثمّ نُقلَ إلى القسطنطينيّة. روى أبو نصر يحيى بن جرير التكريتي أنَّ نقلَ المنديل إلى القسطنطينيّة تمّ في القرن الحادي عشر، ودونك قوله ” وبقي المنديل وجواب الرِّسالة مدفوناً في مذبح الرُّها إلى سنة ١٠٢٩م، وتسلّم الرُّوم مدينة الرُّها من المسلمين، ووجدوا المنديل مطويّاً موضوعاً بين آجرّتين في مذبح البيعة الكبيرة في الرُّها، ومعها أنبوب من ذهب فيه رقعة مكتوب فيها ما قال المسيح للرسول (رسول الملك أبجر) فأخذ الجميع، وحمل إلى القسطنطينيّة وهو موجود في البيعة الكبيرة بها المعروفة بآجيا صوفيّا، وَشاهدتُه هناك في سنة ١٠٥٨ وتباركت منه، وهذا خبر مشهور لا شكّ فيه. والمنديل والقرميدتان والأنبوب الذَّهبي تظهرها الرُّوم في كلّ سنة في يوم مشهور. وتحضر الجموع العظيمة ويتباركون منه، ولا شكّ فيما رأيت والسلام 23“.

إنَّ نقلَ الرِّسالتين في هذا التاريخ لأمرٌ ثابتٌ ومقرّر كما سبق ذكره، أمّا بالنسبة للمنديل فإنَّ أكثرَ المؤرّخين أثبتوا نقله إلى القسطنطينيّة في القرن العاشر، عندما طلبه ملك الروم رومانس الصغير من المتّقي الخليفة العبّاسيّ، قال ابن العبري ” في سنة ٩٤٢م أرسل ملك الروم إلى المتّقي يطلب منه منديلاً مسح بها المسيح وجهه، فصارت صورة وجهه فيها وإنّها في بيعة الرُّها، وذكر أنّه إن أرسلها إليه أطلق عدداً كبيراً من أسرى المسلمين، فاستفتى المتّقي القضاة والفقهاء فأنكر بعضهم تسليمها، فأجاب بعضهم قائلاً: إنّ خلاصَ المسلمين من الأسرِ والضَّرِ والضنك الّذي هم فيه أوجب، فأمر المتّقي بتسليم المنديل إلى الرسل وأرسل معهم من يتسلّم الأسرى24.

وقال عمر ابن الورديّ المتوفّى سنة ١٣٧٠م في كتابه خريدة العجائب وفريدة الغرائب: أنّ منديلَ المسيح الذي مسح به وجهه كان في كنيسة الرُّها العظمى، فأرسل ملك الرُّوم إلى الخليفة رسولاً وطلبه منه وبذل له فيه أسارى كثيرة، فأخذه وأطلق الأسارى25 وقال الدبس “ولمّا استلم الوفد المنديل شخّصوا فيه فرحين إلى القسطنطينيّة، وقبل وصولهم ببضعة أميال هرع لملاقاته رئيس الأساقفة والإكليروس وجمع من المؤمنين متوجّهين إلى بيثينيا، ومنها إلى العاصمة يهتفون بأناشيد السُّرور والتراتيل الرُّوحية قاصدين كنيسة آجيا صوفيا، وأدخلوه بحفلة رائعة شهدها الملك، فتبارك منها وَأسْرَتَهُ ورجال الندوة وعامةُ المؤمنين، وذلك في ١٥ آب ٩٤٣م، ثمّ نقل إلى القصر الملكي26.
وَممّا يُؤيِّدُ صِحّةَ هذه الرِّواية الّتي تثبتُ نقلَ المنديل إلى القسطنطينيّة في منتصف القرن العاشر الحادث التالي ” في سنة ٩٤٣ احتال تورون التُركي خليفةَ المتّقي، ودعاه إليه إلى بغداد وصحبه بني حمدان، ولمّا وصلوا إلى حيث خرج تورون لملاقاتهم، وأنزلهم في مضربه ثمّ قبض عليه، وسملت عيناه وقتل من معه، ثمّ أخذه إلى بغداد وهو أعمى جزاءً له، لاستخفافه بتسليم الوديعة الثمينة، والأمانة النفيسة27.

آخر عهدنا بالمنديل

قيل إن المنديل ظلَّ في القسطنطينيّة حتّى أواخر القرن الثالث عشر، إذ أهداه ملكها إلى دوق الجنويّين، والآن هو في يدِ الأرمنْ المختاريين في كنيستهم المعروفة باسم مار برتلما أو برتلماوس، الكائنة في جنوا إحدى مدن إيطاليا، وقد أخذت عن الصورة الأصليّة صورة فرعيّة هي الآن في “لان” من أعمال فرنسا28.

 

الوفد الرَّهاوي برئاسة نيافة مار غريغوريوس يوحنَّا إبراهيم في حاضرة الفاتيكان – إيطاليا

قبل بضع سنوات بعد تحضير واتصالات مع إدارة حاضرة الفاتيكان، قام نيافة الحبر الجليل مارغريغوريوس يوحنّا إبراهيم مطران أبرشيّة حلب وتوابعها المغيّب عجّل اللّه فرجه،وأيضاً الأب الخوريّ بول ميخائيل والخوري الدكتور جوزيف ترزي والخوري جوزيف شابو  اللّذين كانوا مع الوفد المرافق، بزيارة إلى حاضرة الفاتيكان على رأس وفدٍ رهاويٍ من مدينة حلب وبيروت وفرنسا يرافقهم الأب الفاضل الدُّكتور الخوري جوزيف ترزي من مدينة لوس أنجلوس، وفي حينه لم نسمع ونعلم بهذه الزيارة التاريخيّة، لكنّا انضممنا بدورنا بهذا الوفد، وذلك بقصد جلب صورة المنديل إلى مدينة حلب – حيّ السّريان ووضعها في كنيسة الشهيد مار جرجس.

صورة جماعية للوفد المشارك

 

صورة أخرى للوفد المشارك

بعد قضاء بعض الأيّام وزيارة معالم المدينة والأماكن التاريخيّة والفاتيكان، حيث قابل صاحب النيافة والوفد المرافق له قداسة البابا يوحنّا بولس الثاني، وبعد نيل بركته، وأخذ أطراف الحديث التاريخيّ الشًّيِقْ بينهما باللغة الإيطاليّة حيث سلّم قداسة البابا لنيافته المنديل المقدّس قائلاً له: أنتم يا صاحب النيافة والرَّهاويين أصحاب المنديل الأصليّ سنعطيكم الفوتوكوبيّ “أيّ نسخة عن الأصليّة ” ونحن سنحتفظ بالصورة الأصليّة للمنديل، فرجع الوفد إلى حلب حيث بنى نيافة مار غريغوريوس يوحنّا إبراهيم في باحة الكنيسة كابيلا ” كنيسة صغيرة” وأسماها كنيسة المنديل، وقد تبرّع ببنائها “السيد مايكل” وهو نجل الأب الفاضل الخوريّ بول ميخائيل الرَّهاوي أمدّ اللّه بحياته.
تُستخدَم هذه الكنيسة للعمادات، بعد أن أصبحتْ غرفة العماد القديمة ضيّقة للاستخدام، كذلك جديرٌ بالذكر أنَّ نيافته أيضاً اهتم بإقامة نصب وتمثال نصفيّ في باحة الكنيسة للمثلّث الرَّحمات قداسة البطريرك المعظم مار إغناطيوس أفرام الأوّل برصوم تخليداً لذكراه وعربوناً لأتعابه وخدماته وأفضاله على أبناء الشعب السُّرياني الرَّهاوي أثناء هجرته من مدينة الرُّها إلى حلب، ذلك في الصوم الكبير في أواسط شهر شباط سنة ١٩٢٤، حيث كان قدّاسته حينئذٍ مطران سوريّة ولبنان باسم مار سويريوس أفرام برصوم. بجهوده حصلنا على هذا الحيّ الّذي نسكنه الآن، وعُرف ببرّاكات سريان، لأنّهم في البداية بنوا في ذلك الوقت بيوتاً بسيطة مؤقتة يعلوها صفيحة من التوتياء على أمل العودة.

صورة تظهر فيها صورة المنديل مع نيافة المطران يوحنا إبراهيم،ومن اليمين  الأب الخوري جوزيف ترزي، رجل دين من الفاتيكان، الأب الخوري بول ميخائيل والأب الخوري جوزيف شابو

 

صورة المنديل، المطران يوحنا إبراهيم والخوري جوزيف ترزي

بعدئذ سُمّي بحيّ السريان، وفي عام ١٩٣٢ بنى الرَّهاويون كنيسة مار جرجس، وفي أعلى مدخل الكنيسة الخارجيّ مؤرّخ بالسريانيّة ܐܬܒܢܝܬ ܥܕܬܐ ܗܕܐ ܕܡܪܝ ܓܘܪܓܝܣ ܣܗܕܐ ܒܝܘܡ̈ܝ ܡܪܝ ܣܘܝܪܝܘܣ ܐܦܪܝܡ ܒܪܨܘܡ ܩܝܘܡܐ ܦܛܪܝܪܟܝܐ ܫܢܬ ܐܨܠܒ ܂ وترجمته بُنيتْ كنيسة الشهيد مار جرجس في عهد مار سويريوس أفرام برصوم القائمقام البطريركيّ سنة ١٩٣٢ م.

كان قداستُه يكّن للرُها والرَّهاويين كلّ عطفٍ ومحبّةٍ وتقديرٍ واحترامْ، كونهم من مدينة الرُّها المباركة الّتي باركها السيّد المسيح عن طريق ملكها أبجر أوكومو الخامس، وبهذا الصدد يقول المثلّث الرحمات الملفّان بولس بهنام مطران أبرشيّة الموصل وكركوك وثمَّ مطران أبرشيّة بغداد والبصرة في كتابه ” نفحات الخزام في حياة البطريرك أفرام عن الرَّهاويين” ما يلي” وقد حنونا عليهم أيّ على الرَّهاويين حُنُوَّ الأمِّ على الفطيمْ ” ونحن أبناء الرُّها نُعْتَبَرُ أيتام البطريرك أفرام، ومهما شكرناه وقدّمنا له التَّقديرَ والتَّبجيلَ لا نفي حقّه، ويعجزُ اللسانُ عن شُكرِه رحمةُ اللّه عليه، ويرحمنا بصلواته المقدَّسة وَالمُستجَابة، وهو الّذي قام برسامة الكاهنين الفاضلين الأبوين القس حبيب توكمه جي الّذي اسمه المدنيّ كان عبد المجيد وأثناء الرسّامة سمّاه حبيب، تيمّناً باسم أحد تلاميذ القِدِّيسْ مار أفرام السُّرياني، والقس أدَايْ توما والّذي كان اسمه المدنيّ عيسى، وسمّاه أداي تيمّناً بالبشير أداي شقيق توما الرَّسول الّذي شفى أبجر أوكومو ملك الرها، رحمة اللّه عليهما، وكانا من عمالقة الصوتِ الرَّخيم والألحان والمقامات الكنسيّة الرَّهاوية الرَّائعة الشَّجيّة وَالعذبة.

 

الأطبّاء والخطَّاطين والوضع الثقافيّ والاجتماعيّ والعمرانيّ في حلب – حيّ السريان

بعد مرور بضع سنوات على الهجرة إلى حلب، كان شعبُنا يتكلّم اللغتين الأرمنيّة والتُركيّة، وبدأ الجيل الجديد من شعبنا في السَّعي نحو التعليم والثَّقافة، حيث التحقوا بالمدارس الحكوميّة والخاصّة، وحصلوا على شهادات التعليم الابتدائيّ والإعداديّ والثانويّ. وكان هناك العديد منهم الّذين استكملوا دراساتهم الجامعيّة، وحقّق الأغلبيّة تخرّجها في التخصّصات والفروع المختلفة الّتي رغبوا فيها.

حتّى أصبح لدى شعبنا كادراً علميّاً عالياً، وأعداداً كثيرة من الأطبّاء والمحلّلين والمحامين وفروع عديدة، وكذلك صناعيون بعد تعلّمهم كثير من المِهَنْ المتعدّدة والصناعات المختلفة، لما يتّصف شعبنا بذكاء خارق وقدرة عالية ومهارة وجدارة، فَتغيَّرَ مع الزَّمن الوضع الثقافيّ والاجتماعي والعمرانيّ في حيِّ السُّريان.
ومن الخطّاطين أذكر المرحوم عبد العزيز أجناس، والمرحوم نرساي المعروف العمّ نرسيس العامل في فاخورة عائلة برداقجي وراء الكنيسة، والشماس المرحوم إبراهيم توكمه جي، والخوري منير بربر، وسمعان حدرولي وجورج قمر، وغيرهم كما جاء وورد في كتاب جولتي لمؤلّفه الملفونو أبروهوم نورو، والخطّ السريانيّ الرَّهاوي مدرسة خاصّة ومستقلّة عن باقي الخطوط والمدارس الموجودة، والخطّ الرَّهاوي له شكله الخاصّ ومتميّز عن باقي الخطوط السُّريانيّة، ولدى رؤيتك للخطّ تعلمُ رأساً أنّه خطّ من المدرسة الرَّهاوية والخطّاط هو رهاوي.

توثيق بعض الوقائع والأحداث الّتي جرتْ في الرُّها وحلب الّتي سمعتُها من أبائنا الرَّهاويين المُسنِّينْ القدماء، ومكانة الرُّها والرَّهاويينْ في قلبِ قداسة البطريرك أفرام الأوّل برصوم، ومكانة حيّ السّريان في قلوب الرَّهاويّين جميعاً.
لا شكَّ في أنّ الرَّهاويّين شعبٌ مباركٌ، لأنَّ السَيِّدَ المَسيحْ باركَ الملك أبجر أوكومو الخامس ومدينته الرُّها، وإنّنا نُعْتَبَرُ أحفادُ الملك أبجر أوكومو، متمسكيِّنَ بإيماننا وقوميّتنا السُّريانية ومعروفين بِغِيرتنا ومحبّتنا وَعِشْقِنَا للّغتنا السُّريانية والأدبُ والتراثُ السُّرياني، وإخلاصنا لكنيستنا السُّريانية وللكرسيّ الرَّسوليّ الأنطاكيِّ، وَفَضْلِنَا على الكنيسة السُّريانية منذ فجرِ المسيحيّة، وَتنصُّرِنَا على يد أدّى أحد المبشّرينَ السَّبعينْ شقيقُ مار توما الرَّسولْ، الّذي شفى الملك أبجر، وعلى مرّ الأزمانِ والأحقابْ وحتّى يومنا هذا.

في إحدى زيارات المثلّث الرَّحمات البطريرك القِدِّيسْ إلياس الثالث شاكر لكنيستنا في الرُّها، وبعد القدّاس دخل صالة الكنيسة ورأى علمُ الأمّة السُّريانية معلّقاً في صَدْرِ القاعة، فقال بغضبٍ شديد للمسؤولين باللغة التركيّة “بُو بَايْرَاقْ بُورْدَانْ قَالدِرِنْ” وترجمتُه ارفعوا هذا العلم من هنا، يظهرْ أنه تصرّف هكذا خوفاً من مسؤولي الدَّولة العثمانيّة، وخاصّةً كان مقرّباً من مؤسّس الجمهوريّة التركيّة عام ١٩٢٣، مصطفى كمال والملقّب المعروف ” أطا تورك”29 .
كان لنا في المدّة الأخيرة في الرُّها كنيستان الأولى كنيسة القدّيسين الرَّسولين مار بطرس ومار بولس، وأصبحت بعدئذ مخزناً، وفي السنوات الأخيرة القليلة الماضية جعلوها متحفاً. أمّا الثانية كنيسة مار جرجس الّتي جعلوها جامعاً ومسجداً بعد هجرتنا، إلّا أنّه لم يُبدِّلوا الاسم، فسمّوا الجامع بالتركيّة “مار جرجس جامسي” بمعنى جامع مار جرجس.

حدّثني الشمّاس المرحوم حنّا أوهان في سان باولو – البرازيل، وهو خال السيّد جورج نوري كحلجي والملفونو أبروهوم نورو، أثناء زيارته للرُّها في الستّينات، أنّه يوجد تاريخ مكتوبٌ على جدار الكنيسة مَفادُه أنّه في عهد البطريرك يعقوب الثاني فاض الميرون أثناء تقديسه، واعتُبر هذا الحدث أعجوبةً، وقاموا بتسجيل هذا التاريخ على جدار الكنيسة، وما زال هذا التاريخ باقياً على الجدار حتّى يومنا هذا، ولم يعبث به المُسلمونْ.

وحدّثني أيضاً الشمّاس حنّا أوهان حدثاً ثانياً، أنّه أثناء زيارته للرُها، ذهب لمنزلهم الّذي كانوا يسكنونه، فطرقَ الباب فخرج أحدهم من الدَّاخلْ، فقال الشمّاس للرجل الّذي فتح له الباب بالتركية ” بوبنم آفمدر ” هذا هو بيتي ثلاث مرَّات، فنظرَ إليه الرجل مندهشاً، فتابع الشمّاس حديثه قائلاً: هذا هو بيتي، وعلى كلٍّ أبقى، وأسكن وعش فيه، فإنّ لديَّ منزلاً أجمل وأكبر من هذا البيت في سان باولو – البرازيل، ولكن إعلم أنَّ هذا هو بيتي. تَصرَّفَ هكذا من حِرقَةِ قلبِه، ولكي يُطفئَ حسرتَه، ويُخفّف عن حُزْنِه الشَّديد.

سمعت من آبائنا المسنّين الأوّلين أنّه في إحدى زيارات المثلّث الرَّحمات أفرام الأوّل برصوم لحلب – حي السُّريان، برفقة المسؤولين الحكوميّين الرَّسميّين، في حين أنّ العلاقات كانت قد ساءت بين قداسته والشعب الرَّهاويّ، لأسباب مجهولة لم نعرفها، فاستقبله الشعب السُّرياني الرَّهاوي على دقّات وأصوات التنك وقطع التوتياء، وذلك لإهانته. سألَ المسؤولُ الحكوميّ قداسته، لماذا يستقبلونك هكذا على موسيقى التنك؟ فلم يرغب البطريرك كشفَ الحقيقة، فأجابَ إنّ هذا الشعب مُهاجر جديد وفقيرْ، ليس لديه آلات موسيقيّة للاستقبال والترحيب، ولكي يُعَبِّرَ عن فَرْحتِه، لذلك يستقبلونني بهذه الطريقة.

مع أنَّ كلا الطَّرفينْ بينهما محبّة واحترام وإعجاب مُتَبَادَلْ، كما سبق وذكرنا أنّ قداسته يُعْتَبرُ أباً لنا لعطفه ومساعدته إيّانا في أثناء هجرتنا، ونحنُ نُعتبر أيتام البطريرك أفرام، وبعد هذه الحادثة كلّما التقى قداسته بشخصٍ رهاويٍ، يُذَكّرُهُ بالحادثة، ويدقُّ يدَه على الثانية قائلاً: أورفلي تنكة!
وَمرَّتْ الأيّام، واصطلحتْ الأمورْ وطابتْ العلاقات بين الطرفين، فاستقبله الرَّهاويونَ في حيِّ السُّريان، من أحسن وأروع وأبدع الاستقبالات الحافلة، من كشّاف ومؤسّسات وجمعيّات وطلّاب وطالبات وحشود غفيرة، وأجراس الكنيسة وموسيقى كشَّاف الفوج السَّادس، وشارع الكنيسة الطويل مُزَيناً بأغصانِ الأشجارِ الخضراء، وأقواسِ النَّصرِ ولافتاتْ عديدة كُتِبتْ عليها عبارات ترحيبيّة بالسُّريانية وَالعرَبيّة.

وفي إحدى اللاَّفتاتْ السُّريانية مكتوبٌ عليها ܚܢܢ ܐܘܪ̈ܗܝܐ ܠܐ ܡܫܚܠܦܝܢܢ ܗܝܡܢܘܬܢ ومعناه: نحن الرَّهاويونْ لا نُبَدِّلُ إيمَانَنَا فلمّا قرأها البطريرك تأثَّرَ جدّاً وَأدْمَعَتْ عَينَاهْ وَقالْ بالسُّريانية: ܐܘܪ̈ܗܝܐ ܓܒܪ̈ܐ ܐܢܘܢ ومعناه الرَّهاويونْ أبطالٌ جَبَابِرَة.

كان في قلب البطريرك أفرام الأوّل برصوم مكانة رفيعة ومقام عال للرُّهَا والرَّهاويين، فكان الشعب الرَّهاوي محبوباً لديه، ولهم منزلة خاصّة في قلبه، لتاريخهم المجيد، ومواقفهم المُشَرِّفة ومكانتهم وَمقَامهمْ في تاريخ الكنيسة السُّريانية، في كلِّ زيارة إلى حلب لكنيستنا، كنيسة مار جرجس في حيِّ السُّريان يُلْبِسُونَهُ بدلةُ القُدَّاسْ المصنوعة في الرُّها من الحريرْ باللون الفُسْتُقيِّ المنقش، وَيُخرجونَ المِبخَرة الفِضِّيّة، وذلكَ إكراماً لقداسته.

إنَّ منطقةَ حيِّ السُّريانْ، لها مكانة سامية ومحبّة عميقة في قلوبنا جميعاً، ولو تَفَرَّقْنَا وَتَشتّتنا نظراً للظروف المعيشيّة والأوضاع السياسيّة، الّتي مرَّتْ على بلادنا، ومهما ابتعدنا عنها ستبقى محبّة سوريّة العزيزة وحيّ السُّريان مغروستان في قلوبنا، ولن ننساها أبداً، لأنَّ سوريّة فتحت ذراعيها وقبلتنا واحتضنتنا أثناء الهجرة، وأعطتنا ومنحتنا الجنسيَّة السُّورية، وفي هذا الحيّ المتواضع وُلدنا ونشأنا وترعرعنا وقضينا أحلى وأطيب أيَّامِ وسنيِ الطفولة والذِّكرياتِ الجميلة ” والذِّكرى ناقوسٌ يَدُقُّ في عالمِ النُسيَانْ ” وما الذِّكرُ إلاَّ عيشٌ ثانٍ للإنسان.

يجدر بالذكر أنّني منذ رسامتي كاهناً في كنيسة مار جرجس بحلب – حيّ السُّريان، لأخدم في البرازيل عام ١٩٧١، وانتقالي للسويد ١٩٧٦، وحتّى يومنا هذا، جميع زياراتي والعطل الصَيفيّة كنتُ أقضيها في حلب -حيِّ السُّريان، وفي كلِّ زيارة للحيّ أزورُ جميع شوارعَ هذا الحي بخطى وئيدة، وأقفُ في كلّ بقعةٍ ومكانْ، وأتأمَّلُ وأتَذَكَّرُ طفولتي وشبابي، وأعودُ بالذِكرى إلى الماضي السَّحيق الّذي لن يعودَ أبداً، والساعةُ لنْ تعودَ يوماً إلى الوراء بتاتاً.
أَذكرُ أنَّ أحدَ أبناءَ حيّ السُّريان ذهبَ إلى بيروت، والتقى هناك بأحد أبنائنا الّذي هربَ من خدمة العلم، ولم يستطع العودة إلى حلب. فسأله عن وَضْعِ حيِّ السّريان، فبدأ الأول بتفصيل وإسهاب في وصف أحوال الحيّ، فقال الثاني بالأرمنيّة (بعد أن احترق قلبه من نارِ الشَّوقْ): ” آدْ بَارَكَاييِنْ كَارِيرَا بَاكنيِمْ “، ومعناه “أبوسْ وأقبِّلْ حِجارةَ هذا الحيّ “.

 

خاتمة

أجل إنّنا ولو لم نكن أغنياء، وأغلبنا نُعدّ ونُعْتَبَرُ منَ الطَّبقة العاديّة، والأغنياء كانوا معدودين على الأصابع، إلّا أنَّنا عِشنَا حياةً كريمة مع القلّة والبساطة والقناعة، وَكُنَّا في أشدِّ الرَّاحة والسَّعادة في حياتنا، بين أجواء المحبّة والإنسانيّة والأدب والاحترام والقيم الأخلاقيّة العالية، وعشنا على المأكولات البسيطة، ولكنّها كانتْ شهيَّة ولذيذة، ونستعملها ونستفقدها حتّى يومنا هذا، مثل الكبّة مع البيض، وكبّة مع الطحينة، كبّة مع الزيت، وغيرها من المأكولات الرَّهاوية، كانت كلّها أكلات بسيطة، ولكنّها لذيذة واقتصادية، والمطبخ الرَّهاوي غَنيٌّ ومعروفٌ بالمأكولات بين المطابخ الشَّرقية الأخرى.

أَذْكرُ أنَّ الدكتور الخوري جوزيف ترزي كاهننا في لوس أنجلوس قد طبع كتاباً خاصّاً، وأسماه المطبخ الرَّهاوي باللغتين العَرَبيّة والإنكليزيّة، لجميع المأكولات الرَّهاويّة والمخلّلات والحلويّات وإلى آخره، وذلك للحفاظ على هذا المطبخ الشَّهيِّ وَاللَّذيذْ، ولكي تتعلّمْ الأجيالْ القادمة متابعةً وَصُنعِ واستعمالِ هذه المأكولاتِ الطيّبة.
أذكرُ في حيِّ السُّريان سنويّاً كانوا يُقيمونَ سهرةً وحفلةً خاصّة يدعونها “بالو” أو حفلة كباب باذنجان. ذكر لي الوالد المرحوم حنّا إبراهيم بربر، أنّه كان لهم يوماً عزيمة في الرُّها، وجهّزوا أكلتينْ رَئيسيتينْ بالإضافة إلى المُقَبِّلاتْ العديدة وهي صينيّة كبيرة كباب باذنجان المعروف عنه أنّه ملك المأكولاتْ الرَّهاوية، ووعاء آخر كبير كاخسير بامياء ” بامياء حلوة “، فأكل الجميع وعاء الكاخسير بامياء، ولم تنفّذ صينيّة كباب الباذنجان، والمرحوم المطران جرجس القسّ بهنام كان من عَادتِهِ أن يقول أحياناً أشكر ربّي أنّه خلقني أرثوذكسي، وأنا أقولُ نشكر اللّه الّذي خلقنا رهاويّينَ لنأكلَ المأكولاتْ الشَّهيّة وَاللَّذيذَة.

في إحدى المرّاتْ خدمنا القدّاس الإلهيّ في كنيسة مار أفرام في مركز المطرانيّة، وكنّا شمامسة إكليريكيّين، وفي نهاية القدّاس بدأنا نُرَتِّلُ ܗܘ ܕܢܘܪ̈ܢܐ هاو دنوروني، بينما الخوري إبراهيم دنهش يتناول القربان المقدّس، فالتفت إلينا حالاً، وفاجأنا بقوله ” تعيش الفليفلة “، فقلنا مُستغربين ماذا تعني يا أبونا، أجاب الأب دنهش مازحاً وَقَائِلاً، لولا الفليفلة الحارة التي يأكلها الرَّهاويون لَمَا خرجَ هكذا صوت جميل، ولا هكذا مقامات بديعة. ولنا كلّ الفخر أنّه في حيّ السريان لم يكن هناك مخفر للشرطة، وفي حال حدوث أيّ خلاف أو منازعة، لا سمح اللّه، كانت تُحلّ عن طريق زعماء وحكماء الطائفة بالذات.
باركَ اللّه بكم جميعاً، وعاشت مدينة الرُّها السُّريانيّة الحبيبة عزيزة كريمة للأبد.

 

 

 

الحواشي

  1. إشارة إلى هجرةِ الرَّهاويينْ السُّريان إلى حلب عام ١٩٢٤ وما أحاطهم به من عناية في إيوائهم وإعالة بؤسآئهم؛ ممّا يسطّر بِمِدَادِ الشُّكرِ فيِ قُلوبهم.
  2. ܪܡܙ ܠܫܒܝܐ ܘܠܓܠܘܬܐ ܕܐܘܼܪ̈ܗܝܐ ܣܘܼܪ̈ܝܝܐ ܠܚܠܒ ܫܢܬ ܐܨܿܟܕ ܡ̄ ܘܝܨܝܦܘܬܗ ܪܒܬܐ ܕܒܗܘܢܿ ܕܟܬܝܼܒ ܒܩܢܝܐ ܕܬܘܕܝܼܬܐ ܒܠܒܗܘܢܿ
  3. كتاب كنيسة القدّيس توما الهنديّة لفيليبس.
  4. عُرفَ الكناعنة في التاريخ الملباريّ باسم الجنوبيين، ثمّ دعوا أنفسهم كناعنة باسم توما الكنعاني، وذلك بعد زيارة البطريرك بطرس الرابع ملبار في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
  5. يو٢٠– ٣٠
  6. تاريخ الكنيسة السريانية الأنطاكية مج١ص٨٥
  7. يو١٢– ٢١٫٢٠
  8. أبجر لفظة سريانيّة تعني الأعرج، تُجمع بكلمة أباجرة وهم ملوك آراميّون سريانيّون، أسّسوا إمارة سريانيّة عام ١٣٢، وقد جعلوا قاعدتها مدينة الرئُّها، وظلّوا يتعاقبون على الحكم حتّى سنة ٢٤٤، حيث انقرضت وكانت لغتها السُّريانيّة الفُصحى، وهذا أبجر الّذي نحن بصدده كان معاصراً للسيّد المسيح، ويعتبره التاريخ الكنسيّ أوّل ملك مسيحيّ، وتقيم له الكنيسة السُّريانيّة تذكاراً يوم الأربعاء يقع في منتصف الصوم الكبير من كلِّ سنة.
  9. تاريخ أوسابيوس في السريانية ص ٦٧ طبعة بيجان
  10. تاريخ يحي الأنطاكي ص ٢٥٢–٢٦٣ومدينة الله أنطاكية مج ٢ ص ٢٠٣١ وعصر السريان الذهبي ص ٣٠
  11. ذخيرة الأذهان مج ١ ص٣٧
  12. تاريخ الرَّهاوي المجهول مج ١ ص١٢١ ومختصر الدُّول بالعربية ص ٦٧ وبالسُّريانية ص٤٧.
  13. تاريخ الرّهاوي المجهول مج ١ ص ١٢٢–
  14. تاريخ الرّهاوي المجهول ص ١٢٣ومختصر الدُّول ص ٦٧
  15. أوسابيوس القيصري بالسريانية ١٠–١٣ص ٦٧–٧٥وبالعربية ص٦٠–٦٢
  16. تاريخ الرَّهاوي المجهول مج ١ ص ١٠٧ وعصر السريان الذهبي ص٣١
  17. تاريخ الرهاوي المجهول مج ١ ص ٣١٩–٣٢٠
  18. تاريخ حلب: ٥٥٢ وتاريخ الرهاوي المجهول مج ١ ص ٣٢٠.
  19. الرَّهاوي المجهول مج ١ ص ٢١٨ ٠ ١٧تاريخ الرَّهاوي المجهول مج ١ ص ٢٤٥
  20. نقلاً عن المجلّة البطريركيّة – القدس – السنة الثانية – العدد السادس ص ١٦٥.
  21. تاريخ الرَّهاوي المجهول مج ١ ص ٢٩٤– ٢٩٥.
  22. المجلّة البطريركيّة ـ القدس ـ ص ١٦٥ـ ١٦٦ السنّة الثانية العدد السادس. والخريدة النفيسة مج ٢ ص ١٢٨.
  23. المجلّة البطريركيّة ـ القدس ـ السنّة الثالثة ١٩٣٥- ص ٣.
  24. مختصر الدول ص ١٦٥. ويحي الأنطاكي مج ٣ ص ٩٨، وأبو الفداء الحمويّ ٢: ٩٠.
  25. المجلّة البطريركيّة – القدس – السنة الأولى ١٩٣٣ ص ١٧٩.
  26. تاريخ يوسف الدبس المارونيّ مج ٥: ص ٣٨٨.
  27. أبو الفداء في تاريخ سنة ٣٣٢ و٣٣٣. وتاريخ الدبس مج ٥ ص ٣٨٨.
  28. ذخيرة الأذهان مجّ ١ ص ٣٧.
  29. تم نقل هذه الأحداث من مصادر وأشخاص معترف بهم في الطائفة، الذين يتمتعون بمكانة علمية وأدبية وثقافية، ويمتلكون خبرة في المجالات السياسية والمعرفية، ومن بين هؤلاء الأديب الراحل يوسف نامق.
error: