الشّمّاس الإنجيليّ الملفونو عبد الكريم شاهان

لبنان

عدد صفحات المشاركة 5 صفحات (A4) .

 

لقد وجّهنا دعوة رسميّة إلى الشمّاس الإنجيليّ الملفّان عبد الكريم شاهان، المُقيم في لبنان، للمشاركة في المشروع الكتابيّ التوثيقيّ “من هجرة إلى هجرة”. وقد تغمّده اللّه برحمته بعد أيّام من تسلّمه الدعوة. قبل وفاته، أرسل إلينا الفقيد رسالة خطّيّة مؤثّرة تُعبّر عن تقديره العميق لدعوتنا وعن تطلّعه إلى المساهمة. تُظهر رسالة الراحل الروح الطيّبة ومعاني الإخلاص الّذي كان يتميّز به طوال حياته، وتبقى كلماته الأخيرة تعبيراً عن تواضعه الجمّ وامتنانه لدعوتنا. تغمّده اللّه بواسع رحمته.

 

ربّما تكون هذه الرسالة آخر ما خطّته يداه

 

النص:

إلى الأخ العزيز بيير جرجي المسؤول عن اللجنة

أحبائي سلامي إلى اللجنة الكريمة المباركة.

حين استلامي رسالتكم الكريمة شعرت بفرح نحوكم.

ها أنا أشارك معكم بالفكرة المباركة.

إننا منذ مئة عام تقريباً تركنا موطن أجدادنا غصباً عنا، وأصبحنا لاجئين في سوريا ولبنان، فالبعض سافر إلى بلاد بعيدة.

حياتنا في مدينة حلب على أرض صاحبها ماركوبولي، سُميت برّاكات حي السريان. بما أن دولة فرنسا هي المسؤولة على رعايتها المفضلة، كانت إلى الذين ينتمون لطائفة الكاثوليك، وبما أننا كنّا من أغلبية ساحقة أرثوذكسيين، سريان قديم تعذبنا في البداية، وقد اهتم بنا البطريرك أفرام الأول برصوم قبل رسامته، وبعدها في مدينة حمص، وأما الذين ينتمون إلى مذهب الكاثوليك ينعمون بالرفاهية، فالذي كان في وضع صعب بدّل إلى مذهب الكاثوليك طمعاً بالمعونة، فوالدي اضطر إلى اعتناق مذهب الكاثوليك اضطرارياً. حين وُلدت في سنة 1926 تعمّدت عند الكاثوليك اضطرارياً، فحين قطعوا عنا المعونات رجعنا إلى كنيستنا والحالة قد تحسنت نوعاً ما.

وترعرعنا قليلاً، فانفرج الوضع مع الوقت، وصارت لنا كنيسة سريانية أرثوذكسية ومدرسة ابتدائية، تُعلّم بلغات ثلاث سريانية فرنسية وعربية قليلة. وحين درسنا بضع سنوات حتى انتقلنا إلى مدرسة في البلدة تديرها لجنة برعاية الخوري شيلازي، وفيها معلمون مثقفون لمستوى الشهادة الابتدائية، تُمنح من المفوّض السامي الفرنسي المقيم في بيروت لبنان.

وحين قدمنا الفحص باللغة الفرنسية خاصة، ونلت الشهادة الابتدائية، فلم أقدر أن أكمّل لعدم قدرة الانتقال والمصاريف الباهظة، نسبة للعائلة المؤلفة من سبع أنفس الأب والأم وخمسة أولاد ذكور.

فالآن صار جيلاً جديداً مثقفاً له بعد نظر، فأنا أهنئ هذا الجيل الذي بعد سنين عابرة، كيف يتقدم ويسافر إلى البلدان الراقية.

ويهتم إلى حضارة سامية مع عدم نسيان الأصل.

فالله يوفقكم بهذه الفكرة المباركة.

بيروت 10 – 11 – 2021

 

الملفونو عبد الكريم شاهان في سطور

وُلد الملفونو  عبد الكريم أوسيوس شاهان، في مدينة حلب عام ١٩٢٦. نشأ وتعلّم في مدارس حلب، حيث أتقن العديد من اللغات، بما في ذلك اللغة الأرمنيّة (لغة والدته) والتركيّة (لغة والده)، بالإضافة إلى السريانيّة والعربيّة والفرنسيّة والإنجليزيّة، والعبريّة والكرديّة.
حاز على الشهادة الفرنسيّة من المندوب السامي الفرنسيّ في لبنان عام ١٩٤١، وبنفس العام أسّس جمعيّة “محبّة اللغة السريانيّة” في حيّ السريان بحلب، من خلال هذه الجمعية سعى جاهداً لتعليم ونشر اللغة السريانيّة، وكتب الكثير من الكتب التعليميّة الّتي أصبحت مرجعاً لمن يسعى لفهم وتعلّم هذه اللغة المقدسة. كما كان ناشطاً في المجتمع، حيث شارك في إحياء الهويّة السريانيّة ونقلها إلى العالم الحديث.

في الفترة من عام ١٩٥٠ إلى ١٩٥٢، درس في معهد الكهنوتيّ الإكليريكي في الموصل، العراق. وفي عام ١٩٥٤، عمل في مطبعة الاتّحاد في حلب، ثم انتقل إلى لبنان عام ١٩٥٧، حيث عمل في مجال الصرافة. عاد إلى العمل في المجال الطباعيّ، واستمرّ في دراسة اللغة الإنجليزيّة في جامعة AUB في بيروت. وفي عام 1977، قام بتقديم برنامج باللغة السريانيّة لإذاعة الرابطة السريانيّة، مسهماً في نشر اللغة والتراث السريانيّ للجماهير، كما شارك بنجاح في عدّة فعاليّات دوليّة في السويد وأستراليا، وإسبانيا، بالإضافة إلى لبنان وتم تكريمه من عدة جمعيات.

كرّس حياته ومنذ نعومة أظفاره في خدمة الكنيسة السريانيّة الأرثوذكسيّة، ولم يكن تأثيره مقتصراً على مجال الكنيسة فقط، بل ساهم بفاعليّة في تعليم اللغة السريانيّة للعديد من الشمامسة والطلّاب، فكان داعماً لهم في دراستهم وتعليم هذه اللغة المباركة. رُسم شمّاساً إنجيلياً في الكنيسة السريانيّة الأرثوذكسيّة عام ١٩٨٨، وقام بترجمة فيلم “السيّد المسيح” من الإنجليزيّة إلى السريانيّة ودبلجته عام ١٩٩٨. كتب العديد من الكتب المدرسيّة لتعليم اللغة السريانيّة، وألّف أيضاً العديد من الأشعار باللغة السريانيّة. كان الملفونو عبد الكريم شاهان عضواً مؤسّساً في “جمعيّة أصدقاء اللغة السريانيّة” في لبنان، وشارك في عدّة دورات ونشاطات تعليميّة.

رغم كبر سنه، استمرّ الملفان عبد الكريم شاهان في البحث والتعلّم والتعليم، حيث كان يعمل على ترجمة آثار مارّ أفرام السرياني إلى اللغة العربيّة. وقد رحل عن هذا العالم الفاني في صباح يوم الاثنين ٢٢ تشرين الثاني ٢٠٢١، تاركاً وراءه إرثاً ثقافيّاً ولغويّاً عظيماً. رحيله ترك فراغاً عميقاً في قلوب الّذين عرفوه واقتنوا علمه وحكمته. كان رمزاً للتفاني والإلهام وسيظلّ حيّاً في قلوب الّذين تأثّروا بعطائه وإسهاماته القيّمة. ندعو اللّه أن يتغمّده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جنّاته، وأن يمنح عائلته وأحباءه الصبر والسلوان.

بيير جرجي

 

اللجنة الثقافية في الرابطة السريانية تُقيم حفلاً تكريمياً للملفونو عبد الكريم شاهان (بيروت ـ 30 / 5 / 2019)

 

بعض الأخبار والملفات الخاصة بالملفونو عبد الكريم شاهان

error: