الشّمّاس الإنجيليّ الملفونو جورج قمر

كندا
georgekamar123@gmail.com
الشماس الإنجيلي الملفونو جورج يعقوب قمر، من مواليد حلب ١٩٤٢. المؤهل العلمي: تصميم معماري. اللغات التي يتقنها: السريانية، العربية، الفرنسية، التركية. الشهادات: الشارة الخشبية الكشفية ١٩٧٤. باحث في التراث السرياني من اتحاد الأدباء السريان في العراق ٢٠٠٧. شهادة تقدير ككاتب وشاعر من لجنة تومانهرويو ٢٠٠٤. شهادة تقدير في الإبداع اللغوي السرياني جائزة ملكي أسعد ٢٠١٤. المؤلفات: ١- ديوان شعر بعنوان: ܥܛܪܐ ܕܢܝܣܢ و ܢܘܨܪ̈ܐ ܕܒܝܬ ܢܗܪ̈ܝܢ ݂ ٢- قصص سريانية: ܚܠܩܐ ܕܐܡܝܪܐ قدر الأمير. ٣- التعابير اللغوية في السريانية. ٤- الألحان الرهاوية ܒܝܬ ܓܙܐ (كلمات ونوطة) ٥- الكشاف والموسيقى (نوطات موسيقية منوعة). المشاركات: مهرجان اللغة السريانية الخامس، السادس، الثامن، التاسع، المهرجان الموسيقي السرياني لمركز الثقافة الفرنسية ١٩٩٠، مهرجان الموسيقى السرياني للإعلام العربي فرنسا ٢٠٠٨


عدد صفحات المشاركة: 56 صفحة (A4).

مسيرة الرهاويين في حلب .. إعادة بناء الأمل

مدينة الرها وتاريخها

تقع مدينة الرُّها (ܐܽܘܪܗܳܝ) جنوب شرق تركيَّا المتاخمة للحدود السوريَّة، واسمها الحاليُّ اليوم أورفا، وقد تأسَّست كمملكةٍ سريانيَّةٍ سنة 132 ق.م في عهد ملكها (ܐܰܒܓܰܪ ܐܰܪܝܐ – أبجر الأسد). خضعت لإمبراطوريّات عدّة، وأغلب ملوكها كانوا الأباجرة، أمَّا لغتها السريانيَّة الفصحى كاسمها (ܐܽܘܪܗܳܝ). كانت قاعدةً لبلاد ما بين النهرين العليا، ومركزًا تجاريًّا هامًّا، امتلأ بالأديرة والكنائس والمدارس، فغدت لها مكانةٌ هامَّةٌ في الآداب والعلوم والفنون السريانيَّة بفضل رجالاتها وقدِّيسيها وعلمائها، إذ كانت مركز إشعاعٍ حضاريٍّ انطلق منها الآراميُّون لتبشير بلادهم كما ذكرها برديصان في كتابه شرائع البلدان، الذي يعدُّ من أشهر أدباءها، وُلِدَ في الرها سنة 152م، ونشأ في قصر ملكها “معنو الثامن”، وهو أوَّل من كتب الشعر، وأدخل الموسيقا والأناشيد إلى الكنيسة، ألَّف 150 قصيدةً شعريَّةً، ولحَّنها بأجمل الألحان، تُوُفِّيَ سنة 222م. يليه مار أفرام السرياني، وُلد عام 303م في نصيبين، ودرس على يد مار يعقوب النصيبيّ، وجادت قريحته بأروع القصائد والألحان. ألَّف الموشَّحات والميامر، وكتب ثلاثة ملايين مقطعٍ شعريٍّ، صنَّف مؤلَّفاته مار يعقوب الرهاوي، ونُسب لـ مار أفرام صياغة السّلالم الموسيقيَّة الثمانية. غادر نصيبين عام 350م متوجِّهًا إلى الرُّها وعاش فيها حتَّى وفاته 373م.

مار رابولا الرَّهاويّ، وُلد عام 360م، وألَّف 700 نشيدًا بالسريانيَّة، ولحَّن منها 300 التخشفتات (تكشفتا)، إذ استعمل فيها طبقة الأوكتاف وخاصَّةً في التهاليل.
مار يعقوب الرَّهاويّ، من نوادر الزمان وسيِّد الجهابذة المتبحِّرين، هو اللُّغويُّ والأديب والشاعر والمؤرِّخ والموسيقيُّ والفيلسوف، وُلِدَ عام 633 م في “تلعدا” جنوب غرب حلب، ويعود الفضل الأوَّل والأخير له -حين كان مطران الرُّها – في تصنيف مؤلَّفات مار أفرام وتراث الكنيسة السريانيَّة فيها وفق طقوسها، هو صاحب موسوعةٍ لغويَّةٍ في السريانيَّة محفوظةٍ ضمن مخطوطٍ في خزانة متحف لندن. تُوُفِّيَ عام 708م.


بحيرة إبراهيم الخليل

الهجرة القسرية للرهاويين

مرَّت الرُّها بظروفٍ صعبةٍ جدًّا، ما اضطرَّ شعبها للهجرة عبر تاريخها الطويل. الهجرة الأولى كانت سنة 341 م إلى الهند، والنزوح الثاني منها عام 1600م إلى الموصل والقنية واليعقوبيَّة، عند انتشار مرض التيفوئيد والطاعون فيها، فالظروف القاسية والمآسي الحقيقيَّة التي حلَّت بشعبها من قتلٍ وحربٍ وفرضٍ للجزية على المسيحيِّين، وديون بعض المقاولين في مناقصات البناء، اضطرَّتهم إلى النزوح القسريٍّ إلى حلب1، ضمن ثلاث قوافل، آخرها كان في 25 آذار من عام 1924م. ولدى تثبيت قرار النزوح عمد بعض الشمامسة الضليعين إلى تأليف قصيدةٍ وداعيَّةٍ للرُّها، وتلحينها وأدائها قُبيل مغادرتهم مدينة الآباء والأجداد، التي دُوِّنت ضمن أحد المخطوطات المحفوظة لديَّ في حلب، وكان ينشدها والدي يوميًّا بالعزف على آلة الكمان، فعَكَفتُ على تنويطها للنشر هنا في هذه المقالة مع لحنها، كي تبقى خالدة، ولتنشدها الأجيال مستقبلًا، متغنِّين بأمجاد عظماء الرُّها المقدَّسة.

نشيد الوداع

مصير الكنائس والمخطوطات

كان في مدينة الرُّها إبَّان أيَّام النزوح كنيستان للسريان الأرثوذكس، الأولى باسم كنيسة مار بطرس وبولس وهي بمركز المدينة وإلى جانبها المطرانيَّة، وقد تحوَّلت الكنيسة إلى مستودعٍ لإدارة حصر التبغ والتنباك. رُمِّمت عام 1995م، لتصبح مركزًا ثقافيًّا للبلدة، والثانية باسم مار جرجس خارج حدود بلدة الرُّها، وهي بدورها تحوَّلت إلى جامعٍ لأهل المنطقة، وكان في الكنيستين مئات المخطوطات السريانيَّة، يعود تاريخها إلى القرن الرابع الميلاديِّ ولغاية القرن التاسع عشر. قسمٌ منها أُتلِفَ حرقًا في باحة الكنيسة، وقسمٌ آخر طُمِرَ في كنيسة مار بطرس وبولس، ونُقِلَ ما يقرب من خمسين مخطوطًا مع ناقوس الكنيسة إلى حلب، وأغلب المخطوطات المنقولة هي من عصورٍ مختلفةٍ للصلوات، وتُستَعمَلُ لغاية اليوم، وهذه نماذج صفحات بعضٍ منها:

كنيسة مار جرجس للسريان الأرثوذكس بحي السريان ـ حلب

 

هيكل كنيسة مار بطرس في الرها

 

كتاب صلوات الصوم الكبير

 

صفحات من البيت كاز

وهنا أودُّ أن أذكر ما سمعته من عمي هابيل المولود في عام 1884م، عن حادثة جرت مع الشمَّاس جرجي سرياني، الذي يترأَّس مجموعةً من الشمامسة الموسيقيِّين البارعين، وهذه صورة فرقتهم الموسيقيَّة:

صورة فرقة الشماس جرجي سرياني ـ أورفا ـ 1910

حادثة الشمَّاس جرجي سرياني

في عام 1907م أُدخِلَ الشمَّاس جرجي سرياني السجن في أنقرة لسببٍ ما، كعادته وهو في إحدى غرف السجن يُنشِدُ بعض المواويل الحزينة عند صلاة فجر كلِّ يومٍ، فسمع السلطان عبد الحميد صوته من مكان إقامته لمدَّة عشرة أيَّامٍ متتاليةٍ أو أكثر وبالتوقيت نفسه، فأمر بمتابعة الصوت، وجلب صاحبه إليه، وبعد يومين أُحضِرَ إلى سراي السلطان عبد الحميد، فأخبروه عن مكان وجوده – سجين في السجن المركزيِّ بأنقرة-، ولدى مثوله أمام السلطان، طُلِبَ منه أن يُنشِدَ المواويل ذاتها التي يؤدِّيها فجر كلِّ يومٍ، وبعد امتثاله لطلبه، سأله السلطان: من أنت؟ ومن أيِّ بلدةٍ؟، أجاب: أنا الشمَّاس جرجي السريانيُّ، رئيس الشمامسة في كنيسة مار بطرس وبولس في أورفا وسجين في أنقرة.

قال له السلطان عبد الحميد: لي رجاء عندك بأن تعدني بعدم إنشاد المواويل أمام النساء الحوامل من طبقة الأوكتاف الثالث الموسيقيِّ، اذهب إلى بلدك وأخدم كنيستك، فقد عفوت عنك؛ لأنَّ أمثالك لا يجب أن يُحكَمَ عليهم. أجابه الشمَّاس جرجي: لك ما تريد أيُّها السلطان، من الساعة سوف أنشد، وأغنِّي بالطبقة التي أوصيتني بها، وغادر سراي السلطان عائدًا إلى مسقط رأسه أورفا.
ومن بين هذه المخطوطات ذات القيمة الأثريَّة النادرة في العالم “تاريخ الأزمنة” لـمار ميخائيل الكبير، يعود تاريخه للقرن الثاني عشر، وإنجيلٌ كاملٌ بحجمٍ صغيرٍ جدًّا، إلى جانب كتبٍ منوَّعةٍ. أمَّا مطران الرُّها مار قوريلوس منصور عبه جي، غادر الرُّها حاملًا معه هيكل كنيسة مار بطرس وبولس إلى (أضيمن ADYAMAN) للخدمة فيها، والقسُّ يوسف كيراكوس أمضى خدمته في كنيستنا بحيِّ السريان حتَّى وفاته عام 1938م، ونظرًا لوجود خلافاتٍ شخصيَّةٍ بين أعضاء المجلس وبقيَّة الكهنة بسبب النزوح، فإنَّ القسَّ بطرس سيفري نُقِلَ إلى “بيت لحم”، ثُمَّ نيوجرسي في أمريكا، والقسُّ حنَّا رسَّام إلى الحسكة بأبرشيَّة الجزيرة والفرات، وذلك بأمرٍ من المطران مار سويريوس أفرام برصوم مطران سورية ولبنان آنئذٍ عام 1924م تفاديًا للخصام. نُقِلَت شفاهًا، وقد نقلها لي يوسف نامق، وأفريم قمر.

 

مسيرة الرهاويين في حلب ودور المطران أفرام برصوم

وبمساعٍ من المطران أفرام برصوم، اشتُرِيَت أرض حيِّ السريان القديمة، وبُنِيَ عليها كنيسةٌ خشبيَّةٌ مؤقَّتةٌ، لأداء مراسم الصلوات والقداديس، ريثما يبحث المجلس شأن بناءٍ رسميٍّ لكنيسةٍ ومدرسةٍ، والشمامسة الواردة أسماؤهم هم شمامسة كنيستا الرُّها التي ذكرنا أسماءها سابقًا:
جرجي شلون، باسيل ميناس، إبراهيم قاطرجي، صبري شمّاس، حنّا طاشجي، حنّا طحّان، عبد الغني شمّاس، عزيز أجناس، يعقوب هارون، اسحق طاشجي، جرجي كوسا، جرجي توكمه جي، جبور قاطرجي، إبراهيم توكمه جي، عبد النور سيوركلي، كبرئيل قومي.

 

بناء كنيسة مار جرجس

في أوائل العام 1932م، بوشر بأعمال بناء الكنيسة التي سُمِّيت باسم القدِّيس مار جرجس، من الحجر الصوريِّ الأصفر والنحيت الأبيض والنحيت الزهريِّ واللِّبن الأبيض، وقد أسهم في نحت وقصِّ وبناء أحجارها نخبةٌ رهاويَّةٌ فنيَّةٌ إلى جانب مصمِّمين، نخصُّ بالذكر السادة:
بطرس خضر، إبراهيم حجّار، عبد النور توكمه جي، يعقوب جاي أوغلي، يعقوب قمر، بطرس دبوقازار، جرجي طنطاق، سركيس سيوركلي، جبور شدتلي، نوري حقّو، عزيز دوغرمجي، أفريم بيشار، حنّا شمّا.، وآخرون.
وفي العام 1939م إثر وفاة القسِّ يوسف كيراكيس، رسَّم البطريرك مار إغناطيوس أفرام الأوَّل برصوم في كنيسة أمِّ الزنَّار بحمص مركز الكرسيِّ البطريركيِّ، ووشَّح الشمَّاسين حبيب توكمه جي، وأدَّى توما بالحلَّة الكهنوتيَّة لخدمة رعيَّة مار جرجس بحيِّ السريان بحلب، اللذين خدما الكنيسة بكلِّ إخلاصٍ ونزاهةٍ حتَّى تاريخ وفاتهما.

للتاريخ فإنَّ القسَّ حبيب توكمه جي كان صاحب صوتٍ جهوريٍّ لمستوًى أعلى من طبقة أوكتافين، وعلى غراره ابن عمِّه الشمَّاس جرجي يعقوب توكمه جي، والأوفدياقون البير نوري حقُّو، ويعدُّ هؤلاء من الأصوات الرهاويَّة النادرة الذين خدموا كنيسة حلب، وما هو جدير بالذكر أنَّ قداسة البطريرك أفرام، إبَّان رحلاته الرعويَّة كان يصطحب معه القسَّ حبيب توكمه جي ليساعده في القدَّاس، إضافة لأدائه بعض التخشيفتات والتذكارات أثناء القدَّاس.

ووفق الأنظمة، عندما بلغت السابعة من عمري، دخلت مدرستنا السريانيَّة (بني تغلب الثانية حاليًّا)، إذ درسنا الأحرف السريانيَّة وبعض الصلوات بطريقة التلقين على يد المعلِّم والخطَّاط الشهير عزيز أجناس، الذي خطَّط وجدَّد بعض كتب الصلوات بحلب، إذ كنَّا في نهاية الدوام من الروضة حتَّى الصفِّ الخامس، برفقة الأساتذة نحضر صلوات المساء في الكنيسة. كانت الغاية من الحضور هي سماع ألحان الصلوات اليوميَّة، وتعلُّمها عبر سنوات الدراسة.

اللغة السريانية والألحان الطقسية

وفق أقوال البعض من الأهل، كان بعض الأساتذة بخلاء بعطائهم وتدريسهم، إذ وصفوهم بالأنانيِّين لحدٍّ كبيرٍ، فأدَّى تصرُّفهم هذا إلى ضعفٍ لغويٍّ لدى بعض الطلَّاب والشمامسة، عدا البعض الذين أتقنوا اللُّغة بدرجة 70% ومنهم الشمامسة: عبد النور سيوركلي وعبد الغني شمَّاس ويعقوب توما وإبراهيم قاطرجي وجورج أسطو لاحقًا.

بالمقابل، أودُّ أن أقصَّ حادثةً رواها قدس الأب حبيب توكمه جي في منزلنا لوالدي بحضوري. قال القسُّ حبيب: كنت أغادر الكنيسة يوميًّا والدموع منهالة كالشلَّال من مقلتيَّ؛ لعدم معرفتي وإتقاني ألحان البيث كازو الكنسيِّ، بالرغم من صوتي القويِّ الذي كنت أملكه، وذات يوم صادفني الأوفدياقون جرجي كوسا بالقرب من الكنيسة، وأنا أمسح دموعي بمنديل أبيض، وسألني بغرابة: ما شأنك؟ تبكي! يبدو أنَّك تشكو أمرًا ما؟ أجاب القسُّ حبيب، هناك من يستخف بأدائي لعدم معرفتي الألحان الكنسيَّة. أجاب الشمَّاس جرجي: أنا من سأدرَّسك؟» وخلال مدَّة ستَّة أشهر من الدراسة والتعلُّم كان الأب القسُّ حبيب قد ختم حفظ الألحان كافَّةً بدرجةٍ ممتازةٍ.

لقد عكفت على جمع كلِّ ما يتعلَّق به من معلوماتٍ تخصُّ الكنيسة بشفافيَّةٍ متناهيةٍ، للإضاءة على ما قام به الأقدمون من خدماتٍ وتضحياتٍ جسام، حرصًا منهم على حفظ تراث الأجداد، فالرسامات المتتالية عبر السنوات على يد المطران مار ديونيسيوس جرجس قس بهنام، ودورات اللُّغة بقيادة الخوري برصوم أيُّوب، ومعاونيه في التدريس الملفونو برهان إيليا والأكليريكيّ شمعون صليبا في صفوف مدرستنا بحيِّ السريان، ضمن ثلاث مستوياتٍ تعليميَّةٍ للشبَّان والفتيات الذين انضمُّوا إليها، ولسنواتٍ طوال، رُفِعَ المستوى التعليميُّ اللُّغويُّ ليكونوا خدَّامًا أمناء في بيت الربِّ كشمامسةٍ ومرتِّلين، ومنهم من أتيح لهم الفرصة ليكونوا مدرِّسين إلى جانب مديرها الخوريِّ برصوم، وهما: جورج قمر وجوزيف ترزي.

صورة تذكارية للدورات السريانية مع طاقم المدرسين. عام ١٩٦١ـ حي السريان

وشاءت الأقدار بعد انتهائي من الخدمة الإلزاميَّة، أن عُدتُ إلى حلب مسقط رأسي، لأكمل مسيرتي الشمَّاسيَّة في كنيستنا العزيزة مار جرجس في خريف 1969م، وكنت في ساعات فراغي أخدم الأوفدياقون عبد الغني شمَّاس وتأمين احتياجات بيته. وفي أحد الأيَّام طلب منِّي زيارته برفقة زميلي الشمَّاس أفريم أبكار، والغاية من هذه الزيارة كانت تدريسنا ألحان الكنيسة على يده في داره، حينها فكَّرت مليًّا، وبعد مشاورته بأن أُعلِّم زملائي الشمامسة الآخرين للانضمام معنا للدراسة، فأجابني سيصعب عليهم ومع ذلك أخبرهم، وأذكر في اللِّقاء الأوَّل كنَّا ثمانية شمَّاسين، وهم:

حنَّا أعمى، جورج قمر، يونان أرسلان، أفريم أبكار، نديم أطمه جي، عبد المسيح ياندم، ألبير ترزي، يشوع آلو.

وللأسف، بعد مرور أربعة أشهر انسحب الجميع، ولم يبق سواي -جورج قمر-، إذ تابعت الدراسة لمدَّة سنتين بمعدَّل ثلاثة دروس أسبوعيًّا، وسجلت أثناء الدراسة الألحان الّتي درستها، ولديَّ قرابة 6 ساعات على شريط تسجيل. وفي ختام الدورة أهداني كتابه الخاصَّ بالألحان والمخطوط عام 1944م، بحضور الشمَّاسَين كبرئيل قومي وملكي أسعد، وأوصاني أمامهما ما يلي: لقد أدَّيت واجبي نحوك ونحو الكنيسة، وأطلب منك أن تدرِّس غيرك من الشمامسة حفاظًا على هذا التراث واستمراريَّته وعدم ضياعه. أجبته قائلًا أمام الجميع: عهدي لك أن أدرِّس ما تعلَّمت لـ 50 شخصًا على الأقل، وإن لم أحقِّق قولي، فادعوا عليَّ ما تشاؤون، وإن كنتم مغادرين الحياة الدنيا. وهنا التفت الشمَّاس كبرئيل قائلًا: أنا أثق بكلام الشمَّاس جورج ووعده وسيفعلها.
لم تمض سنوات، حتى بدأت بتدريس اللُّغة السريانيَّة وقواعدها لنخبةٍ من الشمامسة في منزلي، وكذلك أصول الترجمة إلى جانب ألحان الـ (بيت كاز) والـ(تكشفتا) أي التضرُّعات الرهاويَّة، لهذه النخبة من الشمامسة، الذين افتخر بهم للمستوى الذين بلغوه، وفي إحدى المناسبات قال لي الأب جورج كلور: ملفونو جورج قمر، ما تقوم به من دورات تعليميَّة، لم يحصل سابقًا منذ تاريخ هجرتنا، وعرفان بالجميل أودُّ أن أذكر أسماءهم تباعًا:
نشأت شمَّاس، جاك كلور، ألبير حقُّو، جورج فريك، يعقوب كلور، سمير كللو، نوري نجَّار، جورج قس برصوم، إيليا مقديس أنطون، عبد الوحيد صمصتلي، حنَّا بلطة، جوزيف هادو، بديع مقديس، جورج كولو، أفريم قانونجي، جورج مقديس أفريم، عبد النور دوغرمجي، بطرس دكرمنجي. وللأسف، فإنَّ أغلب هؤلاء الدارسين، غادروا حلب لظروف الحرب الطاحنة التي مرَّت على سورية.
وقبل حلول الصوم الأربعينيِّ المقدَّس عام 1992م، وبتوجيه من نيافة المطران مار غريغوريوس يوحنَّا إبراهيم، أُضيفت آياتٌ من الإنجيل وأشعار من آباء الكنيسة إلى الهياكل الثلاثة بالسريانيَّة، بتنفيذ المهندس فتحي كللو وخطِّ الشمَّاس الإنجيليِّ جورج قمر وهذه هي ترجمتها:

 

الهيكل الأوَّل: أنا هو خبز الحياة من يأتي إليَّ لا يجوع، ومن يؤمن بي لا يعطش أبدًا.

 

الهيكل الثاني: هذا الباب مليء بالرحمة، وبداخله تكمن الرحمة. ادخل يا خاطي واطلب الرحمة، من ربِّك المليء بالرحمة.

 

الهيكل الثالث: الكنيسة ميناءٌ كبيرٌ مليءٌ بالسلام، فليأتِ كلُّ متعبٍ، ويجلس إلى مائدتها.

 

أثناء إضافة الآيات على الهياكل الثلاث

وعام 1993م، صُمِّمت اللَّوحة الجداريَّة الحجريَّة لملك الرُّها (أبجر اوكما) أي أبجر الأسود، والمراسلة التي حدثت بينه وبين السيِّد المسيح، وإرسال مبشِّرٍ من تلاميذه نسخة الشفاء من مرضه. أُنجِزَ هذا التصميم من قبل المهندس المعماريِّ فتحي كللو وتخطيط الشمَّاس الإنجيليِّ جورج قمر.

لوحة الملك أبجر أوكومو والمراسلة مع السيد المسيح. تصميم المهندس فتحي كلو وتخطيط جورج قمر

 

الموسيقا السريانيَّة الرَّهاويَّة

الموسيقا في سورية متأصِّلةٌ في نسيج أرضها، وتمتدُّ جذورها إلى آلاف السنين قبل بدء التاريخ وربَّما إلى بداية الحياة على أرض المشرق مُنذ أنصت الإنسان لأصوات الطبيعة الحيَّة، كخرير المياه وحفيف أوراق الأشجار وزقزقة العصافير ودوي الرعود وضربات البحر الهائج، ناهيك عن أصوات الحيوانات التي قلَّدها بصوته فتداولها تدريجيًا ودخلت مجرى حياته، وتشير الدراسات إلى أنَّ الموسيقا سبقت الكلام بكثيرٍ وأنَّ التصفيق والأصوات الصادرة عن أحجار الصوَّان التي استخدمها الإنسان قديمًا لها اعتباراتٌ موسيقيَّةٌ وربَّما أوَّل الغناء الذي كان غناء الأمِّ لطفلها.
إنَّ المنظومات الشعريَّة والنثريَّة المكتشفة في خرائب أور، والمدوَّنة على رُقُمِ الآجرِّ أثبتت ازدهار حضارة الشعوب في بلاد الرافدين وبلاد الشام ضمن حدود الإمبراطورية البابلية والآشورية والأكادية والسومرية والممالك الآرامية المنتشرة في المنطقة آنذاك منذ أكثر من عشرة آلاف سنةٍ، ناهيك عن اكتشاف القيثارة الأولى والسلَّم الموسيقيِّ السومريِّ الذي أبصر النور كقيمةٍ علميَّةٍ، واعتمد بنيةً مكاملةً مبنيَّةً على أُسسٍ وإيقاعاتٍ وأزمنةٍ وعلاماتٍ كرَّست تدوين الموسيقا واللَّحن، أيُعقَلُ أن تعيش أمم الأرض بكافَّة أطيافها من دون ممارسة الموسيقا نواة تراث الشعوب؟
لقد بات حضور الموسيقا جليًّا في الطقوس الشعبيَّة والدينيَّة لا سيَّما الأخيرة التي تعبِّر عن علاقاتٍ روحيَّةٍ بين الإنسان والإله، وقد تجلَّت في الكنيسة المسيحيَّة بالترانيم والألحان الطقسيَّة، فمنذ فجر التاريخ شجَّع بولس الرسول فيلسوف النصرانيَّة وحثَّ المؤمنين على مثابرة التسابيح والتهاليل إبَّان صلواتهم كما جاء في رسائله إلى أهل كولوسي وأفسس، ويعود تاريخ دخولها إلى الكنيسة لأسبابٍ ثلاثٍ:
1. مناهضة ألحان الوثنيِّين.
2. استعانة الألحان لدفع الملل.
3. تنبيه الحواس إلى إدراك معاني الصلاة.
وهذا ما دفع المسيحيُّون لترنيم المزامير وترديدها ليس في الكنائس فقط، بل في البيوت والساحات والطرق، واستعملوا في إنشادها القيثارة والدفوف والأبواق والصنوج، ويعود دخول الألحان إلى الكنيسة إلى سببين اثنين:
الأوَّل: النغمة بعذوبتها تخفِّف وطأة التعب وتلهي الناسك فينسى الشعور بالملل.
الثاني: اللَّحن يؤدِّي إلى زيادة تفهُّم المعاني الكامنة في التسابيح الروحيَّة على وجهين:
أ‌. نظام الكلمة المرافق للنغمة يغطِّي امتداد الأبيات وطول الوقت.
ب‌. الكلمة الملفوظة بعذوبةٍ موسيقيَّةٍ تكون أفضل في النفس وأحبُّ إليها، وقد صنَّف الآباء إدراك البشر إلى ثلاثة أنواعٍ:
1. البسطاء: أشخاصٌ تتمتَّع نفوسهم باللَّحن فقط.
2. المفكِّرون: أشخاصٌ يشعرون بعذوبة اللَّحن والكلمة.
3. الكاملون: أشخاصٌ لهم أفكار بمحبَّة الله في كلِّ كلمةٍ يسمعونها؛ لأنَّ الألحان تؤثِّر في النفس لتفهم المعاني والعبارات.
نشأة الطقوس والألحان السريانيَّة:
إنَّ ألحان الطقوس السريانيَّة هي حصيلة الألحان الشعبيَّة قبل الميلاد وألحان الملحِّنين جُمِعَت ضمن كتب الإشحيم والفناقيث الخاصة لأيَّام الآحاد والأعياد السيِّديَّة والقدِّيسين والصوم الأربعينيِّ وأسبوع الآلام بالإضافة إلى طقوس العِمَاد، الميرون، مسحة المرضى، الإكليل، الرسامات وأخيرًا البيت كاز أي مخزن الألحان، وقد نُظِّمَت ورُتِّبت من قِبَلِ العلَّامة مار يعقوب الرَّهاويِّ /708/ مطران الرُّها، الذي ضبطها ونقَّحها بنفسه إلى أن أصبحت كاملةً خلال القرون الأربعة الأولى للميلاد، وتُعدُّ مدرستا الرُّها وديار بكر مرجعًا في جمع أغلب كتب التراث.
وقد ذكر العلَّامة ابن العبري في كتابه الإثيقيونبأنَّ الأوَّلين بنَوا الألحان على أركانٍ أربعةٍ:
1.الحرارة، 2.البرودة، 3.الرطوبة، 4.اليبوسة.
والقصد منها: رقَّة اللَّحن، خشونته، نعومته، فخامته، وقد بُنِيَت بالاعتماد على السلَّم السومريِّ المؤلَّف من اثني عشر صوتًا أساسيًا، والموسيقيُّون الكنسيُّون اكتفَوا بثمانية ألحانٍ أساسيَّةٍ واستغنَوا عن الباقي لصعوبة أدائها وأوجدوا ألحانًا فرعيَّةً استعملوها في مقامات القداديس التي انتشرت في المنطقة، فخصَّص الآباء لكلِّ مناسبةٍ لحنًا مناسبًا.

الملحِّنون الأوائل:
1. وفا الآراميُّ أوَّل من تعاطى ونظَّمَ الألحان والموسيقا السريانيَّة، فيلسوفٌ عاش قبل الميلاد بدهرٍ طويلٍ مستعملًا البحر الحادي عشر من الأبحر السريانيَّة الستَّة عشر، فأُطلِقَ عليه ( البحر الوفائيُّ) وبعض ما ألَّفه تفاعل مع الموروث الفنيِّ في بلاد الشام مثل: ماري وإيبلا وأوغاريت وبلاد الرافدين.
2. الشاعر برديصان: وُلِدَ في الرُّها سنة 152 ميلاديَّة، ونشأ في قصر ملكها معنو الثامن، وهو أوَّل من كتب أشعارًا وأدخل الموسيقى والإنشاد إلى الكنيسة، ألَّف 150 قصيدةً شعريَّةً، ولحَّنها بأجمل الألحان وعلَّمها للشبيبة، تُوُفِّيَ سنة 222م.
3. مار أفرام السريانيّ: وُلِدَ عام 303م، ودرس على يد مار يعقوب النصيبي، جادت قريحته بأروع القصائد والألحان، ألَّف الموشَّحات والميامير وكتب ما يربو على ثلاثة آلاف مقطعٍ شعريٍّ، صنَّف مؤلَّفاته مار يعقوب الرَّهاويُّ ونُسِبَ إلى مار أفرام صياغة السلالم الموسيقية الثمانية. وتُوُفِّيَ عام 373م.
4. مار رابولا الرَّهاويّ: وُلِدَ عام 360م وتوفي عام 435م وهو المشهور بمحاربة أهل البدع ألَّف 700 نشيدًا ولحَّنها منها 300 في التخشيفتات وبها استعمل طبقة الأوكتاف وخاصَّةً في التهاليل.
5. مار إسحاق الرَّهاويُّ 488م.
6. مار بالاي.
7. مار شمعون القوقي: وُلِدَ في ضواحي إنطاكية عام 485م اشتهر بتنظيم القصائد الرقيقة المعاني والفصيحة المباني بالبحر المشهور الذي ينسب إليه (الفخاري) وأشعاره خاليةٌ من القافية ويرتِّل أشعاره في الميلاد والقيامة والصعود. تُوُفِّيَ عام 563م.
هنا يوضع مقطع شعري مع ترجمته رقم2 شمعون القوقي.
8. مار يعقوب السروجي 521م.
9. مار سويريوس الإنطاكي 538م.
10. قوريللونا رئيس مدرسة الرُّها.
11. يوحنا بن افتونيا 538م.
12. مار يعقوب الرَّهاويُّ: من نوادر الزمان وسيِّد الجهابذة المتبحِّرين، فهو اللُّغويُّ والأديب والشاعر والمؤرِّخ والموسيقى والفيلسوف، وُلِدَ في قرية عينرابا سنة 633م وتُوُفِّيَ عام 708م.
13. البطريرك جرجي الأوَّل 790م.
14. البطريرك ميخائيل الكبير 1191م.
15. المفريان يوحنا أبو الفرج ابن العبري 1262م.
إنَّ الألحان الموجودة في التراث السريانيِّ مبنيَّةٌ على مقاطع شعريَّةٍ إما متساويةٍ أو مختلفة الدعائم وكلٌّ منها له وزن خاصٌّ نذكر بعضًا منها: الطلبات، التراتيل، الموشحات، الميامير، والتخشفتات، السلالم وغيرها.
لقد بلغ عدد ألحان كنيستنا السريانيَّة 3000 لحنٍ كما ذكره الموسيقار الفارابي ودوِّنت معظمها بطريقةٍ موسيقيَّةٍ خاصَّةٍ، توجد نسخةٌ منها في مكتبة دير الزعفران بماردين -تركيا اليوم-، ونسخةٍ ثانيةٍ في دير الشرفة بلبنان وهي بحاجة إلى فكِّ رموزها من قِبَلِ موسيقيٍّ بارعٍ، وللأسف وصلت إلينا حوالي 1200 لحنٍ والباقي فُقِدَ.
وأهلنا الكرام عندما نزحوا من الرُّها إلى حلب حملوا في قلوبهم الإيمان العظيم ونقلوا كلَّ ما يخصُّهم من مجلَّدات الصلوات التي سطَّرها الآباء، أمثال ابن العبري والبطريرك مار ميخائيل الكبير وغيرهما، كما نقلوا ناقوس الكنيسة العائد لكنيسة مار بطرس وبولس إلى حلب إبَّان النزوح.
هذه الكتب والمجلَّدات الخاصَّة بتقاليد مدرسة الرُّها خدمت ومازالت تخدم رعيَّتنا وآباء الكنيسة حينها إلى جانب الشمامسة حفظوا وأنشدوا ألحانها بحلب لسنواتٍ وعقودٍ، نذكر الرعيل الأوَّل منهم:
الشمامسة: باسيل ميناس، جرجي توكمه جي، جرجي كوسا، رزق الله قيقرلق، جرجي اشلون، حنا طحان، صليبا ألاجه جي، حنا طاشجي، إبراهيم أسطو، عبد النور سيوركلي، إبراهيم قاطرجي، كبرئيل قومي، جبور قاطرجي، إبراهيم توكمه جي، عبد الغني شماس.
القس حبيب توكمه جي، القس أدَّاي توما، القس إبراهيم دنهش.
أمَّا الرعيل الثاني الذي قدَّم خدماتٍ جليلةٍ للكنيسة حفاظًا على ما توارثوه من تراثٍ وعاداتٍ وتقاليد، وهم:
الخوري شكري توما، الأب جورج كلور، الأب أنطوان دلي أبو
الشمامسة: فهمي طحان،سمعان شاهان، لطفي شاهان، ألبير ترزي، عمانوئيل داوود، جورج مختار، قره بيت أعمى، يعقوب توما،جور أسطو، حنا أعمى، نديم أطمه جي، يونان أرسلان، عبد المسيح ياندم، إسحاق هادو، جوزيف هادو، جورج تومكو، برصوم أستور، جورج باندو، جان ساعاتي، ألبير حقو.
الشَمامسة الإنجيليُّون يوسف كوسا، يعقوب طحان، جورج قمر.
وحرصًا منَّا على حفظ هذا الراث العريق درسنا السريانيَّة على يد الخوري برصوم أيُّوب والموسيقا الغربيَّة والشرقيَّة على يد أساتذةٍ إيطاليين عائدين للرهبنة السالزيانيَّة، وهما: الأستاذ رانيير دي ماريا والبروفيسور مكسيموس باربيري، خلال خدمتنا الكنيسة التي زادت على أكثر من نصف قرنٍ إلى جانب دراسة ألحان البث كازو على يد الأوفدياقون: عبد الغني شمَّاس مدَّة سنتين متتاليتين مع تسجيل الألحان، فجمعنا المراجع والمخطوطات واطلعنا على ما قدَّمه أسلافي في العقود الماضية من مجلَّداتٍ موسيقيَّةٍ منوَّطةٍ، باذلين لها عنايةً بضبط علاماتها الموسيقيَّة فمنها ما جاءت غير كفوءةٍ سقيمةً وهزيلةً، ومنها ما خلت من شارات التحويل الشرقيَّة، ومنها ما لم تكن كاملةً فيها نقصٌ كبيرٌ وتفتقد للأوزان الموسيقيَّة، ويجب التنويه إلى أنَّ الألحان وإن دُوِّنَت بأشكالٍ وطرقٍ شتى في العصور السالفة إلَّا أنَّها تنقَّلت من أفواه الأجداد إلى الأبناء بطريقة التقليد في عصورٍ لاحقةٍ لذا طرأ عليها اختلافاتٌ مرتبطةٌ باختلاف اللَّهجات في البلدان والمدن والقرى، فتجد لبلاد ما بين النهرين نغمةً غير بلاد الشام، ونبرة الرُّها تختلف عن ماردين وغيرها من المدن.
ويذكر ابن العبريِّ في تاريخه الكبير: «أَبدَعُ ألحانِنا وأَحسَنُها صوغًا وأَحكَمُها صنعةً التخشيفتات والقاتسمات والمعبرانات والموشَّحات، ولها شجًى ورقَّةً، وللسريان بها صيتٌ وذكرٌ وخصوصًا أهل الرُّها وديار بكر الذين تعاملوا بالأوزان الشعريَّة موقِّعة على آلات الطرب واستعملوها في كنائسهم ومجالسهم وأشهر الترانيم السريانيَّة وتقاسيمها جُمِعَت في مجلَّدٍ ضخمٍ وأطلق عليه اسم بث كازو أيّ مخزن الألحان» مجلَّد:1، ص:637.
بناء الهيكل العام للموسيقا السريانيَّة السوريَّة: لقد أخذت الطقوس شكلها النهائيَّ وأصبحت لها هيكليَّات وتحدَّدت فيها توزيع الألحان بحسب المناسبات وفق تسلسل نظامٍ خاصٍّ، وقد بنيت على أجناسٍ موسيقيَّةٍ معنيَّةٍ ومؤلَّفةٍ من درجاتٍ موسيقيَّةٍ صعودًا وهبوطًا، لاحتوائها مسافات أرباعٍ كما في الموسيقا الشرقيَّة، التي اعتمدت على الأجناس الثلاثة والرباعية والخماسيَّة، وتكرار الدعائم في الأوزان الشعرية، إضافةً إلى اختلاف الوزن الموسيقيِّ عن الشعريِّ بإضافة حركة أو حركتين وهذه من براعة الملحِّن وليس كما توهم البعض بآراء سخيفةٍ.
وقد اعتمدت موسيقانا بالبعد الكامل، أي 9 كومات أي البعد (دو-ري) والبعد النصفيّ 4 كومات، وكما ذكرنا آنفًا بأنَّ الملحِّنين الأوائل حدَّدوا الألحان الثمانية وفق تسلسل خاص تعتمد عل الأجناس الموسيقيَّة كما يلي:
1. الأوَّل جنس بيات: ري، مي نصف بيمول، فا، صول.
2. الثاني جنس حسيني: ري، مي نصف بيمول، فا، صول، لا.
3. الثالث جنس عُرَاق: مي نصف بيمول، فا، صول، لا.
4. الرابع جنس راست: دو، ري، مي نصف بيمول، فا.
5. الخامس جنس أَوج: مي نصف بيمول، فا، صول، لا بيمول.
6. السادس جنس عجم: سي، دو، ري، مي.
7. السابع جنس صبا: ري، مي نصف بيمول، فا، صول بيمول.
8. الثامن جنس حجاز: ري، مي بيمول، فادييز، صول.

إنَّ أسماء الأجناس الموسيقيَّة الثمانية هي أسماءٌ سريانيَّة الأصول بمعانيها، ويربو عمرها على ألفي سنةٍ؛ لأنَّ الكنيسة منذ نشأتها تستعملها في أداء الصلوات والقداديس وقد نقلها العرب بذات التسمية إلى الموسيقا العربية، هذا وقد حدَّدت الكنيسة استعمال كلّ مقامٍ لمناسبةٍ معيَّنةٍ، كعيد الميلاد- اللَّحن الأوَّل، للموتى الراقدين- اللَّحن الثامن، للقديسين- اللَّحن الخامس، إلى جانب ألحانٍ شرقيَّةٍ أخرى يفوق عددها المئة، التي تستعمل أثناء الاحتفالات والمراسيم الرسميَّة الكنسيَّة.
الموشَّح السريانيُّ والموشَّح العربيُّ:
إنَّ أوَّل ذكرٍ لكلمة الموشَّح ورد في الكتب السريانيَّة (مشوحتو) على لسان مار أفرام الذي قال: لقد ألَّف برديصان المداريش ومزجها بألحانٍ وركَّبها وألَّف الأغاني والموشَّحات بأوزانٍ إيقاعيَّةٍ صغيرةٍ مختلفةٍ.
ويرى أنَّ مجموعة الأوزان في الموشَّح العربيِّ تشبه أوزان الموشَّح السريانيِّ، وأنَّ أهم العوامل المشتركة بين هذين النوعين من الغناء هي أسلوبيَّة الأداء والعبارات والأجناس الموسيقيَّة المتشابهة والمشتركة، فالآلات التي استعملها السريان في موسيقاهم هي: الكنارة، الدف، القيثارة- البوق، الناقوس.

اهتمامات المطران يوحنَّا إبراهيم

وفي عهد متروبوليت حلب للسريان الأرثوذكس مار غرغوريوس يوحنَّا إبراهيم أُسِّست جوقاتٌ عدَّةٌ للترتيل السريانيِّ -كافَّة الجوقات غايتها النبيلة إحياء التراث الكنسي المدوَّن في بطون المجلَّدات المخطوطة-، الأولى في مركز المطرانيَّة باسم جوقة كنيسة مار أفرام تقودها جوليانا أيُّوب، والثانية في مرعيث مار جرجس بحيِّ السريان أشرف على قيادتها كل من الشماسة إليزابيت سيوركلي وسارة أبكار وآخرون..
وقد بذلت جهود في العقود الماضية بإقامة احتفالاتٍ تراثيَّةٍ كنسيَّةٍ ولكنَّها لم تكن في المستوى الفنِّي اللائق من حيث سير الألحان الكنسيَّة، وبتوجيه من المطران يوحنا إبراهيم ضمن احتفالية مرور 1300 عامٍ على وفاة العلَّامة يعقوب الرَّهاويّ 708م تأسست جوقة بث نهرين للتراث الرَّهاويِّ والفلكلور السريانيِّ برئاسة الشمَّاس الإنجيليِّ جورج قمر، حيث قدَّمت أولى حفلاتها في 2 شباط 2008م، والاحتفالية الثانية في 18 كانون الثاني 2009م، والثالثة 18 تشرين الأوَّل تضمَّنت تراتيل سريانيَّةٍ رهَّاويَّةٍ وفق تقليد مدرسة الرُّها، أمَّا الاحتفاليَّة الرابعة كانت في 11 آذار 2011م تضمَّنت أناشيد وطنيَّةٍ باللُّغة السريانيَّة إضافةً إلى أنشودة زهرة المدائن التي غنَّتها الفنَّانة القديرة فيروز من ألحان الأخوين رحباني باللُّغة السريانيَّة التي ترجمها قائد الجوقة الشمَّاس الإنجيليُّ جورج قمر، والاحتفاليَّة الخامسة جاءت في 5 تشرين الأوَّل 2014م أقيمت بمناسبة تكريم قائد الجوقة من قِبَلِ عائلة ملكي أسعد بجائزة الإبداع اللُّغويِّ السريانيِّ حيث قُدِّمَت أناشيد وطنيَّةٌ عدَّةٌ بالسريانيَّة بالإضافة إلى نشيد أنا سوري وأرضي عربيَّة من ترجمة قائد الجوقة.
وفي 27 كانون الأوَّل 2014 بالتعاون مع مديريَّة الثقافة بحلب وبرعايةٍ رسميَّةٍ قدَّمت الجوقة أمسية أناشيد وطنيَّةٍ بالعربيَّة والسريانيَّة على مسرح نقابة الفنانين علمًا أن تعداد الجوقة حينها بلغ 50 عضوًا وهم من مختلف فئات المثقَّفين منهم العازفون العشرة. كما وقدَّمت الجوقة أيضًا أمسيةً أخرى بالتعاون مع مديريَّة الثقافة بتاريخ 27 آب 2017م حيث اختُتِمَت بنشيد سورية يا حبيبتي بالسريانيَّة ترجمة قائد الجوقة.
للجوقة موقع الكترونيٌّ على الشبكة العالمية تحت عنوان جوقة بث نهرين، تنشر جميع أنشطتها الموسيقيَّة الفنيَّة.
وختامًا آثرنا بقرارة أنفسنا تنويط هذا التراث الرَّهاويِّ حفاظًا عليه من الضياع وربَّما التحريف راجيًا أن يكون جهدي هذا موضع استحسان لدى دارسي وباحثي الموسيقا عامَّةً والشرقيَّة خاصَّةً، وقد انتهينا من تدوينها موسيقيًا وهو قيد التنضيد باسم نغمات الرُّها.

 

جوقة بث نهرين للتراث والفلكلور السريانيّ

وبمناسبة احتفالات مرور 1300 عام على وفاة العلَّامة مار يعقوب الرَّهاويِّ مطران الرُّها سنة 2008م، أَسَّستُ جوقة بث نهرين للتراث والفلكلور السريانيِّ، التي ضمَّت أربعين فتًى وفتاةً وعشرة عازفين، مهمَّتها تقديم أمسيةٍ كلَّ سنةٍ، وخلال ستَّة أعوامٍ قدَّمت الجوقة تسع أمسياتٍ بالسريانيَّة في كنيستنا ومسرح نقابة الفنَّانين بحلب، وصُوِّرت تلفزيونيًّا، كما سُجِّلت على أقراص (DVD)، كي تبقى ذكرًى ومرجعًا للأجيال القادمة، وبهذا نكون قد وَفَينا الوعد الملقى علينا.

صور لجوقة بث نهرين للتراث والفلكلور السريانيِّ

 

 

وختامًا نقول: إنَّ ألحان الكنيسة السريانيَّة، هي حصيلة الألحان الشعبيَّة قبل الميلاد، وبعدها ألحان الملحِّنين التي جُمِعَت ضمن كتب الأشحيم والفناقيث الخاصَّة بالمناسبات، وأيَّام الآحاد والأعياد السيِّديَّة والصيام وأسبوع الآلام، بالإضافة إلى طقوسٍ أخرى كالعماد والرسَامات وغيرها.

 

البيت كاز (ܒܶܝܬ݂ ܓܰܙܐ)

بيت كاز، أي مخزن الألحان، التي نُظِّمت جميعها، ورُتِّبت من قبل مطران الرُّها، العلَّامة مار يعقوب الرَّهاويِّ ـ 708م، الذي ضبطها ونقَّحها بنفسه إلى أن أصبحت كاملةً، ويذكر العلَّامة أبو الفرج ابن العبريِّ في كتابه “الأيثيقون” أنَّ الأوَّلين بَنَوا الألحان على أركانٍ أربعة: الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، القصد منها رقَّة اللَّحن وخشونته، ونعومته، وفخامته، بالاعتماد على السلَّم السومريِّ، المؤلَّف من اثني عشر صوتًا أساسيًّا، والموسيقيُّون الكنسيُّون اكتفَوا بثمانية ألحانٍ، وهذه أسماؤها بالسريانيَّة:

أسماء المقامات الأساسيَّة السريانيَّة السوريَّة التي اعتمدتها الكنيسة في أوائل القرن الثاني الميلاديِّ، واستعار العرب هذه الأسماء من السريانيَّة في موسيقاهم.

واختصارًا للمقال نودُّ ذكر الأوزان الشعريَّة وأسماءها المستعملة في التراث الموسيقيِّ الكنسيِّ:

 

صورة من البيث كاز

صورة لواجهة الإنجيل المقدس

 

 

 

 

 

 

 

 

 

جرن المعمودية، نحت يعقوب قمر

اللَّحن السريانيّ الرَّهاويّ

أمَّا شغفي باللَّحن السريانيِّ الرَّهاويِّ، يعود إلى طفولتي التي عشتها في حيِّ السريان، ودخولي هيكل الربِّ وإصغائي لأداء الكهنة والشمامسة في الكنيسة بعد رِسَامَتي قارئًا عام 1959م، وأوفدياقونا عام 1968م على يد المطران مار ديونيسيوس جرجس قس بهنام، وعاصرت خلالها الأبوان حبيب توكمه جي وأدَّاي توما، ولفيفًا من الشمامسة الغيارى المثقَّفين والمتمكِّنين لحنًا، ثُمَّ رسامتي شمَّاسًا إنجيليًّا على يد مار غريغوريوس يوحنَّا إبراهيم الجزيل الوقار، وإلمامي بالموسيقى الشرقيَّة والغربيَّة ودراستها في ثانويَّة جورج سالم التابعة لمؤسَّسة الآباء السالزيان على أيدي الأستاذين الإيطاليَّين رانيير دي ماريا ومكسيموس باربيري على آلة الترومبيت والجنبش، جاء بمثابة مفتاحٍ أَلِجُ به عالم الألحان بخطًى مبنيَّةٍ على علمٍ ومعرفةٍ، وأدرسها بإمعانٍ وإتقانٍ، فجعلتني هذه الدراسة عاشقًا لتراث أجدادي، وهنا أُدَوِّن مقطعًا من (قوم فولوس) بلحن أسبوع الآلام، يبيِّن فيها قوَّة كلمات الشعر وعظمة ملحِّنه (بمعنى وزنٌ شعريٌّ واحدٌ وثلاثة ألحانٍ مختلفةٍ للمقطع ذاته). يا له من شعرٍ ويا لها من ألحانٍ تسحر السامع، وتنقله إلى عالم النشوة والنسيان.

نوطة 1: قوم فولوس، اللحن الأول.

نوطة 2 و3 : قوم فولوس، اللحن الثاني والثالث.

مقطع ترتيلي، لحن قوم فولوس.

واعترافًا بفضل الأقدمين، واحترامًا لعظمة هذا الإرث الخالد، أهدي قصيدة “أورهوي- اورهوي” لكلِّ رهَّاويٍّ في العالم.

 

السريان في لبنان

وأثناء دراستنا في المرحلة الثانويَّة بثانويَّة “جورج سالم” في منتصف خمسينيَّات القرن العشرين، أي في سنة 1958م، لم يكن عدد سكَّان سورية يتجاوز الخمسة ملايين نسمةٍ، وكان رئيسها آنذاك فخامة الرئيس شكري القوتلي المنتخب أصولًا، كان في عهده أحزابٌ سياسيَّةٌ عدَّةٌ عاملةٌ، وكلُّ حزٍب له أنشطته في القطر، كحزب الشعب، الحزب الوطنيِّ، حزب البعث العربيِّ، الحزب الشيوعيُّ، الحزب السوريُّ القوميُّ الاجتماعيُّ، إلى جانب أحزاب الأرمن العاملة كحزب الطاشناك والهينتشاك، جميع هذه الأحزاب كانت لها أنشطةٌ تتنافس مع بعضها البعض من حيث عدد المنتسبين والنشاطات والفعاليَّات، غايتها خدمة المجتمع والوطن، وكان أقوى حزبين عاملين على الإطلاق آنئذٍ الحزب الشيوعيُّ المدعوم من الاتحاد السوفييتيِّ، والحزب السوريُّ القوميُّ الاجتماعيُّ المدعوم من بريطانيا، إلَّا أنَّ الحزب الشيوعيَّ كان له نفوذٌ أكبر من حيث العدد والنشاط في القطر وخارجه.
بشكلٍ عامٍّ فإنَّ أغلب الأحزاب كان لها رجالٌ عاملون في سلك الدولة كالتربية والتعليم ومجلس الشعب والجيش والشرطة وأفرع الأمن، في السنة ذاتها -أي 1958م- ولأسباب سياسيَّةٍ وإقليميَّةٍ، وبتحريضٍ أمريكيٍّ للتخلُّص من بعض الأحزاب وتقليص عددها، التي تعمل ضدَّ المصالح الأمريكيَّة طلبت من تركيا حشد قوَّاتها العسكريَّة على كامل الحدود السوريَّة الشماليَّة بدءًا من ناحية ديريك (المالكية) وانتهاءً بخليج اسكندرون؛ لزرع الفتن والبلبلة، وربَّما احتلال سورية تخوُّفًا من دخول قوَّاتٍ روسيَّةٍ إلى سورية…
ما اضطرَّ الحكومة السوريَّة إلى تشكيل وفدٍ عسكريٍّ وسياسيٍّ رسميٍّ، والتوجُّه إلى مصر؛ لوضع أسس توحيد القطرين العربيِّين الشقيقين (مصر، سورية) باسم الجمهوريَّة العربيَّة المتحدة، ضمن إقليمين لتكون قوَّةً عسكريَّةً ضاربةً لأيِّ اعتداءٍ خارجيٍّ، حيث أعلن بقرارٍ جمهوريٍّ وحدَّد يوم 22/شباط/1959 عيدًا رسميًا لقيام الوحدة بين القطرين المصري والسوري باسم الجمهورية العربية المتحدة، برئاسة الرئيس جمال عبد الناصر، وعلى إثر قيام هذه الوحدة اطمأنَّت تركيا سياسيًّا إلى جانب تركيا حول القضاء على بعض الأحزاب العاملة في قطرنا، وتقليص أنشطة آخرين، لذلك سحبت تركيا قوَّاتها من الحدود السورية بعد إعلان الوحدة وتشكيل حكومةٍ موحَّدةٍ من القطرين رسميًّا، وتعيين المشير عبد الحكيم عامر وزيرًا للدفاع، والعقيد عبد الحميد السرَّاج نائبًا لرئيس الجمهوريَّة.
هكذا وبعد هذه الإجراءات أصبحت الحياة اليوميَّة في القطرين طبيعيَّة، وغدت الوحدة قوَّة عسكريَّة ضدَّ أيِّ عدوانٍ عليها، لكنَّها لم تدم طويلًا لأسباب سلبيَّةٍ كبيرةٍ، إذ لم تكن مدروسةً دراسةً معمَّقةً على الأصعدة كافَّة، إلى جانب سوء تصرُّف بعض المسؤولين، والقرارات الصارمة والصادمة للشعب، نذكر بعضًا منها:
– تأميم المصانع ومعامل النسيج لآل شبارق والططري وصائم الدهر وآخرون.
– تأميم معامل الألبسة ومصنع ورق الشام لآل مشخص.
– تأميم الأراضي والقرى الزراعيَّة لكبار المزارعين السوريِّين، ومنهم أراضي أصفر ونجار إخوان المالكين لوكالة سيارات (ألفاروميو Alfa Romio) التي كان عدد سيارات النقل فيها يفوق الخمسين سيارة وخمسة سيارات قاطرة ومقطورة.
– تعيين مهندسين ومدرِّسين وأساتذة مصريِّين في المدارس والمعاهد والجامعات.
– نقل أربعة ملايين مصريٍّ إلى الجزيرة السوريَّة للعمل في الزراعة.
– تسريح الضبَّاط القادة السوريِّين، وتعيين مصريِّين بدلًا منهم في الوحدات العسكريَّة.
– إلغاء الكليَّة الحربيَّة في حمص.
– تحريض وحثُّ المخبرين لكتابة التقارير عن بعض الحزبيِّين والطلَّاب، واتهامهم بالعمل ضدَّ الدولة، ما اضطر عددًا كبيرًا من الطلَّاب مغادرة القطر والتوجُّه إلى العراق والأردن ولبنان لإتمام دراستهم الثانويَّة أو الجامعيَّة.
– منع وإغلاق مكاتب بعض الأحزاب من مزاولة أنشطتها، كالحزب الشيوعيِّ، والحزب الاشتراكيِّ، والسوريِّ القوميِّ الاجتماعيِّ، وأحزاب الأرمن كالطاشناك والهينتشاك.
– تأسيس أحزابٍ جديدةٍ مواليةٍ للإقليم المصريِّ، كحزب الوحدويِّين، والحزب الاشتراكيِّ، مما كنا نرى في البيت الواحد أفرادها ضدَّ بعضهم البعض من خلال التحريض والتوجيه نحو الفساد والفتن التي سادت بين سائر المواطنين.
– وأخيرًا مؤامرة سرقة ونقل الذهب من البنك المركزيِّ في دمشق إلى القاهرة؛ لضرب وإبطال العملة السوريَّة، (هذا النبأ من أحد الضبَّاط القادة في الجيش السوريِّ أثناء خدمتي الإلزاميَّة في مبنى قيادة الأركان)، كلُّ هذه الأمور التي جرت خلال فترة الوحدة التي لم تكن في الحسبان جعلت بعض العائلات تغادر القطر، في محافظاتٍ عدَّةٍ هربًا من الظلم وخوفًا من الأمن على مصالحها وشؤون شبابها، وهنا نذكر أسماء العائلات في حي السريان بحلب التي أجَّرت بيوتًا ومحالًّا أو رهنتها أو باعتها وهاجرت إلى لبنان والأردن. (بطرس خضر، بولس قارطو، جميل قارطو، صموئيل يونان، منوفر وعبود عملو، عبد الكريم حمامجي، حنا وجورج سيوري، سليم وجرجي خوري، يعقوب وحنا ياندم، يعقوب نامق، جرجي قمر، جرجي ياندم، يعقوب جاني، أفريم كلاح، شمعون بريخو، نوري كهله جي، إبراهيم وعبد النور توكمه جي، فهمي وألبير أجناس، بولس شاهان، جورج وإدوار حقو، جان كلور، جرجي صغير، منير وعزيز زمرود، سليم سكاب، برصوم فستقجي، جورج حمامجي، عبد النور عيواز، عيسى طاشجي، بطرس فستقجي، إبراهيم وأمين أفرام، سمعون جولاق، بشير فريك، بطرس خوري، زكي غسكندر، سمعان وزكي بيدان، يعقوب بريخو، جوزيف دلي كلور، جوزيف غزال.
وبالإشارة إلى كلِّ هذه الأحداث السلبيَّة وتفاديًا للنزاعات العنصريَّة بعد معاناةٍ مؤلمةٍ وجارحةٍ نقل العقيد عبد الكريم نحلاوي أمير سر وزير الدفاع المشير عبد الحكيم عامر بدمشق، بمساعدة ضبَّاط سوريِّين له المحتويات الماليَّة من البنك المركزيِّ بدمشق ليلًا وبالسرِّ إلى المصرف المركزيِّ بمحافظة دير الزور، وإعلان حركة انقلاب عسكريَّةٍ مساء 28/أيلول/1961م بدمشق، بعد حشد الضبَّاط المصريِّين بإحدى الوحدات العسكريَّة، ثمَّ نقلهم جوًّا إلى القاهرة إضافةً إلى نقل المصريِّين في الجزيرة السوريَّة والمحافظات الأخرى، ثمَّ الاتصال مع بعض السياسيِّين السوريِّين المقيمين في فرنسا لاستلام دفَّة الحكم وتشكيل حكومةٍ انتقاليَّةٍ من مدنيِّين مهمَّتها الإشراف على حسن سير شؤون الدولة برئاسة البروفيسور السوريِّ مأمون الكزبري، الذي أصدر البيانات والقرارات الفوريَّة اللازمة لتأمين الأمن والاستقرار في القطر السوريِّ.
ثمَّة أيَّامٌ قلائل تمضي قدمًا ويُعلَن عن انتخابات المجلس النيابيِّ الذي فاز برئاسته الأستاذ معروف دواليبي، وبدوره المجلس النيابي انتخب الدكتور ناظم القدسي رئيسًا للجمهوريَّة، وعلى إثر فوزه بكرسي الرئاسة قام بزيارة رسميَّة لمدينة حلب مسقط رأسه ضمن احتفالٍ مهيبٍ ومنظَّمٍ في ساحة سعد الله الجابري، بمشاركة رجال الشرطة والجيش ودوائر الدولة وطلبة المدارس والمعاهد والجامعة، إلى جانب الأفواج الكشفيَّة بعناصرها وفرقتها الموسيقيَّة النحاسيَّة.
ممَّا يجب ذكره كنت حينها طالبًا في الثالث الثانوي ومشاركًا في العرض الاحتفالي مع طلاب مدرستي ثانوية جورج سالم الخيريَّة، وأذكر ما جرى أثناء المرور أمام المنصَّة الرئيسيَّة، كان أحد الطلَّاب يردِّد على مكبِّر الصوت كلماتٍ تُسِيءُ وتُسقِطُ الرئيس المصريَّ جمال عبد الناصر، ما لفت مَسمَع الرئيس السوريِّ ناظم القدسي، وبكلِّ حكمةٍ ودرايةٍ قاطع الطالب قائلًا: «أبنائي الطلبة الأشاوس إنَّ شيمنا العربيَّة لا تُجِيزُ لنا أن نُسقِطَ عربيًّا على أرضٍ عربيَّةٍ»، وفي الحال أسهم رجال الأمن بإسكات موكب الطلبة، إنَّ هذه الجملة التي قالها الرئيس ناظم القدسي باتت عبرةً لنا بأن نكون أوفياء في تعاملنا واحترامنا للآخرين وصدقنا مع أنفسنا، وهذه من شيم العروبة الصادقة. وهكذا مضت سورية برئاسته حتَّى عام 1963م إلى أن قامت ثورة الثامن من آذار بقيادة حزب البعث العربيِّ الاشتراكيِّ آنذاك.

قانون الكشاف

1. الكشَّاف شريفٌ يُوثَقُ به، ويُعتَمَدُ عليه.
2. الكشّاف مخلصٌ للّه والوطن ورؤسائه ومرؤوسيه.
3. الكشَّاف نافعٌ.
4. الكشَّاف أخٌ لكلِّ كشَّافٍ وصديقُ الجميع.
5. الكشَّاف لطيفٌ مهذَّبٌ.
6. الكشَّاف يرأف بالحيوان، ويحبُّ النبات.
7. الكشَّاف مُطيعٌ بلا تردُّدٍ ولا عنادٍ.
8. الكشَّاف يبتسم في وجه الصعاب.
9. الكشَّاف مُقتَصِدٌ.
10. الكشَّاف طاهر الفكر والقول والعمل.

قانون الكشاف باللغة السريانية

قانون الكشاف باللغة العربية

 

تأسيس الكشفيَّة في حيّ السريان

مدينة الأجداد (ܐܽܘܪܗܳܝ) الرُّها أو أورفا، مدينةٌ تقع جنوب شرق تركيَّا على الحدود السوريَّة، يعود تاريخها إلى (12,000) سنةٍ، هي مدينة الأنبياء، وُلد فيها إبراهيم الخليل، وتُعدُّ من أقدم مدن الشرق، وعاصمة ما بين النهرين. تأسَّست كمملكةٍ سريانيَّةٍ عام (132 ق.م)، وبهمَّة الملك (ܐܰܒܓܰܪ ܐܪܝܐ – أبجر الأسد)، خضعت مدَّةً من الزمن للإمبراطوريَّة الرومانيَّة، وكان ملوكها الأباجرة، وهي قاعدة بلاد النهرين ومركزٌ تجاريٌّ هامٌّ، لغتها السريانيَّة الفصحى كاسمها (ܐܽܘܪܗܳܝ).

(ܐܽܘܪܗܳܝ) 2 اسمٌ مركَّبٌ من قسمين: (ܐܽܘܪ) وتعني في الآراميَّة مدينة، (ܪܗܳܝ) اسم الإشارة (تلك)، فيصبح معنى الاسم (ܐܽܘܪܗܳܝ= تلك المدينة)، أمَّا اسمها الحاليُّ هو (أورفا)، وهو أيضًا اسم مركَّب من قسمين: الأوَّل (ܐܽܘܪ) وتعني المدينة بالآراميَّة (ܦܐܶܐ)، وهي جزم الصفة (ܦܰܐܝܳܐ) وتعني الجميلة، فيصبح المعنى: المدينة الجميلة على غرار اسم (أورشليم) التي تعني مدينة السلام.
تنصَّر ملك الرُها أبجر أوكومو 3
(ܐܰܒܓܰܪ ܐܘܟܳܡܐ) الخامس ( )، الذي عاصر السيِّد المسيح، وتبادل معه الرسائل المثبَّتة تاريخيًّا، إذ وعده السيِّد المسيح أن يُرسِلَ له من يشفيه من مرضه، فتنصَّر الرَّهاويُّون مع ملكهم على يد مار أدَّى البشير 4، الذي بشَّر في الرُّها وهو شقيق مار توما الرسول، وشفى الملك أبجر من مرض البرص سنة (34م)، فأصبح بذلك أدَّى البشير، أوَّل أساقفة الرُّها فبنى فيها كنيسةً كبرى، وأصبحت الرُّها أمَّ كنائس ما بين النهرين العليا، وغدت مهد الحضارة ومركز إشعاعٍ مسيحيٍّ هامٍّ منذ القرن الأوَّل الميلاديِّ، وتبوَّأت مكانةً هامَّةً في مسيرة الآداب السريانيَّة وعلومها وفنونها بفضل رجالاتها وقدِّيسيها وآبائها الأبرار. نخصُّ بالذكر لا الحصر: برديصان-222م، مار أفرام-373م، رابولا الرَّهاوي-435م، مار يعقوب- 708م. حيث عُقِدَت فيها مجامع كنسيَّةٌ، وانتشر فيها تشييد الكنائس والأديرة في القرون الأولى، لا سيَّما في جبلها، إذ بلغت أديرتها ما يربو على 300 دير وآلاف الرهبان.

وغَدَا اسم الرُّها عظيمًا في صفحات التاريخ العظيم، منها ومن أنطاكية معًا انطلق السريان لتبشير بلاد الآراميِّين في العراق وبلاد فارس وأرمينيا. إنَّ انتشار اللغة السريانيَّة لهجة الرُّها في المشرق كله، برهان على دور الرُّها في انتشار المسيحيَّة، كما نعلم من كتاب (برديصان) الآراميِّ (شرائع البلدان) الذي يذكر فيه أنَّ أبجر الملك اعتنق المسيحيَّة.
ونظرًا لما بلغته الرُّها من الشهرة والمجد، قصدها أناسٌ من كلِّ أصقاع الدنيا بقصد الدراسة فيها، ولأسبابٍ خاصَّةٍ في أوائل عام 350م غادر مار أفرام السريانيُّ نصيبين متوجِّهًا إلى الرُّها للعمل فيها ومتابعة أبحاثه في مدارسها. ولمَّا بلغ تخومها شاهد بعض نسوتها يغسلن ملابسهنَّ على ضفَّة نهر ديصان، وإذا بإحداهنَّ تحدِّق به بإمعانٍ، فاقترب منها قائلًا: ألم تخجلي يا امرأة، من التمعُّن فيَّ طوال الطريق، وأنا أقترب منكنَّ؟ أجابته: لا يا سيِّدي، لن أخجل من النظر إليك، فأنا من يحقُّ لي النظر إليك؛ لأنَّني من ضلعك خُلِقتُ، وأنت عليك أن تنظر إلى الأرض؛ لأنَّ اللّه جبلك من التراب مثل آدم أبي البشر. قال مار أفرام في نفسه: إن كانت نساء الرُّها حكيمات هكذا! فكيف يكون رجالها، تركها ومضى إلى بلدة الرُّها.

وهكذا فالرُّها نالت نصيبًا من الحروب الطاحنة عبر التاريخ، ودُمِّرت مرَّاتٍ عدَّةً، إذ حكمها الرومان والإسلام والفرس والعثمانيُّون، وغدا لها تاريخٌ حافلٌ بالأحداث السياسيَّة والعسكريَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة منذ نشأتها، والمصادر السريانيَّة التاريخيَّة تذكر لأسبابٍ خاصَّةٍ أنَّ بعض النخب من عائلاتها هجرتها، وتبلغ أربعين عائلةً مع كاهنين سنة 341م، برئاسة أحد التجَّار الكبار من ذوي الشأن الرفيع والسمعة الطيِّبة يدعى كنعان، إلى ولاية كوطيم الهنديَّة، بقصد تأسيس أبرشيَّةٍ سريانيَّةٍ رهاويَّةٍ في الهند للعمل والعيش. ومع تقدّم الزمان شيَّدوا فيها المدارس والكنائس والمصانع والمشافي، ولغاية اليوم هم تابعون لبطركيَّة أنطاكية السريانيَّة، ويُسمَّون الرهاوييِّن السريان في كوطيم، وقد بلغ تعدادهم اليوم قرابة المليون نسمة ونيف.
لدى انتشار مرض التيفوئيد والكوليرا والطاعون في الرُّها بين عامي (1598-1599م)، نزحت بعض العائلات الرَّهاويَّة إلى مدينة الموصل في العراق، وفي مقدِّمتهم عائلتا عبد النور وكلور وسواهما، لكنَّهما عادتا إلى الرُّها بعد زوال المرض.
كما نزحت من الرُّها وعينتاب مراش قرابة 400 عائلة سريانيَّة إلى بلدتي القنية واليعقوبيَّة، القريبتين من جسر الشغور في سورية، ومع تقادم الزمن انتسبت هذه العائلات النازحة إلى طائفة اللَّاتين عن طريق الحملات التبشيريَّة الموجودة في سورية، ومن هؤلاء العائلات نخصُّ بالذكر: حدَّاد، كريم، مستريح.

أمَّا النزوح الثالث الكبير فكان في 25/ آذار/ 1924م، إذ نزحت 650 عائلةً سريانيَّةً رهاويَّةً، واتَّجهت نحو مدينة حلب، من دون أن يبقى منها أيُّ عائلةٍ مسيحيَّةٍ لأسبابٍ عدَّةٍ، منها:
– تكرار الحروب الطاحنة في المنطقة.
– فرض الضرائب والجزية على الشعب المسيحيِّ.
– نشوب الحرب العالميَّة الأولى ومذابح (سيفو) للأرمن والسريان، التي راح ضحيَّتها نحو 750 ألف سريانيٍّ، ومليون أرمنيٍّ، والمأساة الحقيقيَّة هي أنَّ الأتراك قتلوا شخصيَّاتٍ رهاويَّةٍ عدَّةٍ قبل التهجير، ومارسوا عمليَّات ضغطٍ على السريان، وأجبروهم على ترك مدينة أجدادهم، كما طلبوا من شخصيَّات الطائفة التوقيع على صكٍّ بأنَّهم يتركون البلد بملء إرادتهم. فهل يعقل أن يترك الإنسان بيته وأرضه وكرمه ومتجره بملء إرادته؟! يا للعار والفضيحة.
– الديون المفروضة على الكنيسة.
– إضافة إلى التزامات وديون اثنين من المتعهِّدين 5 المفلسين في تعهُّداتهم في مناقصات الدولة، والعديمي الأخلاق والضمير، من ذوي النفوذ من المال والأنانيَّة والحقد على بعض الشخصيَّات ولجان أبرشيَّة الرُّها. تلك الشخصيات قد لعبت دورًا هامًا في مصير الشعب الرَّهاويّ وتهجيرهم ونزوحهم من جذورهم في أرض الوطن، إذ جمعوا الأموال من العائلات لدفعها إلى دولة أورفا، وتسديد ما يترتَّب عليهم من ذممٍ وديونٍ شخصيَّةٍ، كي يُضمَنَ إيصال العائلات للحدود السوريَّة بأمنٍ وسلامٍ.

وإضافة إلى ديونهما، قدَّم المتعهّدان شكوًى إلى القائم مقام ضدَّ السيِّد الوجيه المعروف عبد المجيد سيفري، الرجل الحكيم والطاعن في السنِّ، بأنَّه يروِّج إشاعات ضدَّه، أيِّ ضدَّ القائم مقام، وقد وجَّه كلماتٍ نابيةٍ مخلَّةٍ بالآداب العامَّة للمسؤولين الآخرين في البلدة، ذلك في المجالس والمقاهي العامَّة، ولدى إحضاره عن طريق رجال الدرك لمكتب القائم مقام، لاستجوابه أفاد:
من المعيب أن توجِّه إلينا تهمةً كهذه، ونحن من نقدِّر رجالات الدولة والسلطة، وتاريخنا حافلٌ بالأمجاد، نحن من نشكر ونمدح في جلساتنا أيَّ مسؤولٍ يمدُّ لنا يد المساعدة، ولي شهودٌ كثرٌ على ما ذكرت، والتفت إلى المتعهِّد الأوَّل، قائلًا: وهذا شاهد على ما أقول، إذ كان ضمن الحاضرين، وصفعه على وجهه، فأيقن القائم مقام أنَّ القصَّة مفبركةٌ ولها دلائل مغرضةٌ.
وقُبيل المغادرة من البلدة اضطرَّ وجهاء الطائفة، بالتعاون مع أعضاء المجلس المحليِّ إلى طمر المخطوطات في صحن كنيسة مار بطرس وبولس، وحرق بعضها الآخر في باحة الكنيسة. أمَّا المخطوطات الهامَّة جدًّا، التي تحتاجها الكنيسة في الصلوات، فجُلبت مع ناقوس الكنيسة وبعض أجهزة الإنارة إلى حلب وضاحية عين العرب.
ونتيجةً لخلافاتٍ قائمةٍ حول النزوح والهجرة، أُبعِدَ ونُفِيَ كلٌّ من القسِّ حنَّا رسَّام إلى الحسكة، والقسِّ بطرس سيفري إلى بيت لحم، ثمَّ إلى الولايات المتحدة، أمَّا القسُّ يوسف كيراكوس، فقد حضر مع الشعب، وخدم الرعيَّة في حلب حتَّى وفاته.

لدى وصول القوافل النازحة إلى حلب، استقبلهم مارسويريوس أفرام برصوم، مطران سورية ولبنان آنئذٍ، إلى جانب من وجهاء سريان حلب، وأمَّن مبيتهم في بعض الخانات الحلبيَّة إلى أن اتَّفق مع القنصل الإيطاليِّ جورج مركوبولي، على شراء أرض حيِّ السريان؛ لنصب الخيم والبرَّاكات الخشبيَّة للسكن كمأوًى مبدئيٍّ لهم، وخلال مدَّةٍ وجيزةٍ بوشر بأعمال تخطيطٍ سكنيٍّ للحيِّ، لبناء الدور والمدرسة إلى جانب كنيسةٍ كبيرةٍ، واليوم هي في عِدَادِ كنائس حلب المشار إليها بالبنان.

بعد الاستقرار في أرض حيِّ السريان وبناء بعض المنازل بموجب مخطَّطٍ مبدئيٍّ، طالب المجلس الملِّيُّ المتعهِّدَين المذكورَين بتسليمهم المبالغ المتبقية لتسديدها إلى القنصل الإيطاليِّ كجزءٍ أو دفعةٍ أولى عن قيمة الأرض، فكان الردُّ التالي: لم يبق في حوزتنا أيُّ مبلغٍ، فالمبالغ التي جُمِعَت من الشعب سُدّدت لرجال الدرك في الرُّها، لإيصال القوافل جميعها بأمانٍ وسلامٍ إلى الحدود السوريَّة.
الحقيقة أنَّهما شرعا بفتح مشاريعهما الخاصَّة، أحدهما في الحيِّ والآخر في سوقٍ من أسواق حلب القديمة والمعروفة تجاريًّا، مضت أعوامٌ وسنواتٌ على النزوح، واستُبدِلَت البرَّاكات ببناءٍ من حجر اللبن والحجر الصوريِّ والنحيت الأبيض والقرميد الإسمنتيِّ، ووضع حجر الأساس للكنيسة والمدرسة بهمَّة وغيرة الشعب الرهاويِّ، ومنهم من استأجر دكاكين في البلدة للتجارة وآخرون باشروا العمل بمهنٍ جديدةٍ لم تكن موجودةً سابقًا، ونذكر البعض من هذه المهن: ميكانيكي سيَّارات، صواج، حدَّاد، سكب، أحذية، الصياغة بفروعها.
وعلى صعيد العلم، فإنَّ نخبةً لا بأس بها من الشباب والفتيات دخلوا الجامعات السوريَّة، وتخرَّجوا بها في اختصاصاتٍ عدَّةٍ، كالطبِّ والهندسة والصيدلة والآداب وغيرها من العلوم كالرياضيَّات والفيزياء، وتأسَّست المجالس والجمعيَّات لممارسة الأنشطة الشبابيَّة الضروريَّة للأجيال الجديدة الصاعدة.

نظرًا لخدمتي الكشفيَّة مدَّة أربعين عامًا ونيف، وترأُّسي الفوج الكشفيَّ السادس كعميدٍ له، فمقالتي هنا سيكون عن الكشفيَّة في العالم ودخولها سورية، وتأسيسها في حيِّ السريان بحلب.

نبذةٌ تاريخيَّةٌ:

جاءت فكرة تأسيس الحركة الكشفيَّة في العالم، عن طريق رجال خاطروا في سبيل بلادهم مثل:
• اليونان في إسبارطة.
• فرسان الشوفاليه في أوربا.
• العرب بعلم القيافة والفراسة.
• الرومان في القلاع والحصون.
• الاستعمار الأجنبيُّ: الإسبان – الإنكليز- البرتغال – الهولنديُّون.

تأسيس الحركة الكشفيَّة في العالم

أوَّل من عمل على تأسيس فرقةٍ كشفيَّةٍ مستفيدًا من تجاربه العمليَّة وعن حياته العسكريَّة هو الجنرال روبرت بادن باول، في جنوب أفريقيا ضدَّ عصابات (البوير) الهولنديَّة؛ ممَّا اضطرَّ إلى الاستعانة بالفتيان والأحداث لتقديم خدمات نقل الذخائر والمؤن والبريد ومداواة الجرحى في عام 1908م في لندن، إذ عمَّت الحركة الكشفيَّة أرجاء بريطانيا كافَّةً عام 1909م، ثُمَّ إلى العالم ابتداءً من العام 1910م.

في سورية:
بعد مرور أربع سنواتٍ على التأسيس دخلت الحركة الكشفيَّة سورية عام 1912م، وتأسَّست أوَّل فرقةٍ بقيادة عبد الجبَّار خيري، ذلك خلال الأعوام 1914-1919م. توقَّفت الحركة الكشفيَّة عن أنشطتها؛ بسبب نشوب الحرب العالميَّة الأولى، إلى أن حلَّ عام 1922م، وعادت الأنشطة من جديد، وتأسَّست ثلاث فرقٍ:
الفرقة الأولى بقيادة ياسين الحموي. الفرقة الثانية بقيادة بكري قدُّورة، أمَّا الفرقة الثالثة فكانت بقيادة علي الدندشي، وعلى إثر هذه الأنشطة عمَّت الحركة الكشفيَّة المحافظات السوريَّة كافَّةً. وفي صيف عام 1944م أُقِيمَ أوَّل مخيَّمٍ كشفيٍّ عربيٍّ في الزبداني بحضور 3500 كشَّاف من البلاد العربيَّة.

وبحلول عام 1935م، أصدر المفوَّض الفرنسيُّ قرارًا بتنظيم الكشفيَّة *، لكنَّ الحقيقة كانت على عكس ذلك، إذ كان الهدف منه إلغاء الحركة الكشفيَّة في سورية، وتنظيم الكشَّاف الكاثوليكيِّ باسم (SCOUTS DE FRANCE)، وفي العام 1936م أخذت الكشفيَّة شكلًا جديدًا بتنظيمها، وحصلت على رخصةٍ باسم كشَّاف سورية، وتألَّفت أوَّل لجنةٍ تنفيذيَّةٍ عليا برئاسة الدكتور رشدي الجابي وعضويَّة السادة:
علي الدندشي، عطا مكِّي، فائز دالاتي، زهير دالاتي، بكري قدُّورة، جورج قطنيَّة.

وفي 29/8/1944م أقرَّ المجلس النيابيُّ قانون حماية الحركة الكشفيَّة رقم (86) الصادر عن رئاسة الجمهوريَّة، وعَدَّ الكشفيَّة منظَّمةً تربويَّةً أهليَّةً اجتماعيَّةً ذات نفعٍ عامٍّ تحميها الحكومة السوريَّة.
وفي 5/1/1947م صدر المرسوم الجمهوريُّ الخاصُّ بالنظام الأساسيِّ لكشَّاف سورية، واستنادًا إلى المرسوم والقانون جاءت التشكيلات الكشفيَّة وفق النظام الداخليِّ ضمن الفرق والأفواج على النحو الآتي:
1. زمرة أشبالٍ وزهراتٍ.
2. فرق كشَّافةٍ ومرشداتٍ (مبتدئ).
3. فرق كشَّافةٍ ومرشداتٍ (متقدِّم).
4. فرق كشَّافةٍ ومرشداتٍ (متقدِّم ثانٍ)
5. عشائر الجوَّالة.

الرتب الكشفيَّة:

1ـ زمرة الأشبال والزهرات:
أ‌- شبل
ب‌- رئيسٌ سداسيٌّ
ت‌- رئيس زمرةٍ
ث‌- مساعد أكيلا (نائب قائد)
ج‌- أكيلا (قائد الزمرة)

2 ـ الكشَّافة والمرشدات:
أ‌- كشَّاف، مرشدة
ب‌- نائب عريف
ت‌- عريف طليعة
ث‌- نائب فصيل
ج‌- نائب قائد
ح‌- قائد فرقة

3ـ عشيرة الجوَّالة:
أ‌- جوَّال
ب‌- نائب رائد رهط
ت‌- رائد رهط
ث‌- الرائد الأكبر
ج‌- نائب قائد عشيرة
ح‌- قائد عشيرة

 

4ـ القادة:
أ‌- قائد فرقةٍ
ب‌- قائد فوجٍ
ت‌- عميد فوجٍ
ث‌- معاون مفوَّض
ج‌- مفوَّض منطقةٍ
ح‌- قائدٌ مجازٌ
خ‌- رئيس كشفيَّةٍ

الأسباب التي دعت إلى استمرار الحركة الكشفيَّة في العالم لتاريخ اليوم، هي البرامج والشهادات المعمول بها، والتي تتلخَّص بما يلي:
1. برامج الناحية الاجتماعيَّة.
2. برامج الناحية الثقافيَّة.
3. برامج الناحية الصحيَّة.
4. برامج الناحية الاقتصاديَّة.
5. برامج الناحية القوميَّة.

أمَّا الشهادات فهي تباعًا:

1. شهادات درجة المبتدئ.
2. شهادات الدرجة الثانية.
3. شهادات الدرجة الأولى.
4. شهادات إعداد القادة.
5. شهادة تمهيدي الشارة.
6. شهادة الشارة الخشبيَّة الدوليَّة، وتُمنَحُ من المكتب الكشفيِّ الدوليِّ بلندن.

وفي أوائل عام 1949م انضمَّت سورية إلى المكتب الكشفيِّ الدوليِّ بتسجيلٍ رسميٍّ، وفي إحصاءٍ جرى عام 2000م، أصبح عدد الكشَّافة والمرشدات في العالم 35 مليونًا، منه مليونان في البلاد العربيَّة.
للكشفيَّة مكتبٌ كشفيٌّ دوليٌّ مقرُّه لندن عاصمة بريطانيا. ينبثق عنه خمسة مراكز إقليميَّةٍ في العالم.

المكتب الكشفيُّ الدوليُّ:

1. أوربا مركزه -جينيف.
2. أمريكا مركزه -كوستاريكا.
3. العربيُّ مركزه -دمشق.
4. الأفريقيُّ مركزه -نيجيريا.
5. الآسيويُّ مركزه -الفيليبين.

تأسيس الكشفيَّة في حيِّ السريان: مكرر 

من خلال هذا التنظيم العالميِّ والعربيِّ وهذا الكمُّ العدديُّ، ودخول الكشفيَّة بسرعةٍ إلى القطر السوريِّ، تولَّدت فكرة تأسيس جمعيَّةٍ تَجمَعُ شمل الشباب السريانيِّ في حيِّ السريان بحلب، فسارع البعض من الغيارى إلى تأسيس جمعيَّةٍ سُمِّيَت (ܪܶܚܡܰܬ ܠܶܫܳܢܐ) هدفها تعليم اللُّغة السريانيَّة ونشرها بين صفوف الشبيبة نذكر منها:

أبروهوم نورو، فهمي طوبال، جورج حلب، عبد الكريم شاهان، أنطوان خوري، صليبا اشلون، نوري عجمي.
وبعد المواظبة في تعليم اللُّغة في أحد صفوف مدرستنا في الحيِّ، تحوَّلت الجمعيَّة إلى (ܪܶܚܡܰܬ ܥܺܕ̱ܬܐ ܘ ܠܶܫܳܢܐ)، واستمرَّ التدريس لفترةٍ طويلةٍ، وكان ذلك في ربيع عام 1942م، وبهذه الاستمراريَّة ازداد عدد المنتسبين إليها، فتحوَّلت الجمعيَّة الثقافيَّة إلى فوجٍ كشفيٍّ بحيِّ السريان، فاستُئجِرَت غرفةٌ في منزل بيتر دوغرمجي خلف كنيسة البروتستانت، وعُدَّ يوم 20 أيلول، يوم ذكرى تأسيس الكشَّاف السريانيِّ بحلب، واستُصدِرَت ترخيصٌ من الدولة بداية عام 1943م بهمَّة نشأت ورَّاق، مفوَّض كشَّافة حلب، وعلى إثر ترخيص الفوج باسم الفوج السادس، انضمَّ الملفونو حزقيال طوروس إلى الفوج، وترأَّسه بصفة عميدٍ من عام 1943م ولغاية 1949م.
وفي شهر شباط من العام 1945م تأسَّس في الفوج فريق كرة قدم الكشَّافة، وفريقان آخران: االأوَّل باسم (ܒܶܝܬ݂ ܐܳܪܳܡ) بث أورم، برئاسة الشاعر يوسف نامق، والثاني باسم فريق نينوى بزعامة الشاعر ماتيوس مقصود، وهذان الفريقان خارج الفوج. بعد سنواتٍ وبسبب خلافاتٍ إداريَّةٍ تولَّدت في الفريقين أدَّت إلى توحيدهما وتأسيس نادٍ رياضيٍّ باسم نادي الشهباء الرياضيِّ، ذلك بموجب رخصةٍ رسميَّةٍ من الدولة عام 1945م، وكان أوَّل رئيسٍ للنادي الأديب يوسف نامق.

قيادة الفوج السادس ١٩٤٩ـ الوقوف من اليمين: أنطوان خوري، شكري شربتجي، عبدالنور توكمه جي. نعوم أبو القصب، عميد الفوج حزقيال طوروس، يعقوب نامق.

وفي الذكرى الثانية لتأسيس الفوج، تقرَّر تشكيل فرقةٍ موسيقيَّةٍ نحاسيَّةٍ، وبالاتصال مع المدرِّب الأستاذ إحسان أورفلي لتدريس الكشَّافة، خلال فترةٍ قصيرةٍ لدراسة النوطة الموسيقيَّة، بلغ عدد العازفين الذين أتقنوا العزف 25 عازفًا، ولم يمض عامان إلَّا وبرع عنصران في الموسيقا، الأوَّل هو فهمي طوبال، الذي تطوَّع فيما بعد في الفرقة العسكريَّة بدمشق كعازف كورنيت، والثاني بول كولي، الذي غادر حلب إلى القامشلي للانضمام إلى الفوج الرابع الكشفيِّ للسريان؛ لتأسيس فرقةٍ موسيقيَّةٍ فيه، أمَّا في حلب وفي تلك الفترة برع موسيقيٌّ ثالثٌ وهو صليبا أفريم كلاح، الذي قاد الفرقة النحاسيَّة للفوج لسنواتٍ طوالٍ.
وهكذا دامت أنشطة الفرقة النحاسيَّة لغاية عام 1959م، بفضل مدرِّبها الأخير جورج سليم جبلي إلى جانب بعض الكشَّافة الغيارى، إلى أن انطفأ سراج الفرقة النحاسيَّة بنهاية العام 1959م. لم تكتفِ القيادة بأنشطتها المعهودة، فسارعت بحلول عام 1947م إلى إصدار مفكِّرة جيبٍ سنويَّةٍ للكشَّافة، إذ دام إصدارها لغاية عام 1975م، وعُدَّ العام 1947م عام الأنشطة والازدهار والتقدُّم، بانضمام العشرات من الشباب إلى الفوج الكشفيِّ، ومنهم القطب اللَّامع والغيور بوطنيَّته ومحبَّته الكشفيَّة والكنسيَّة السيِّد شكري جميل شربتجي المنفتح على العالم، الذي بذل كلَّ ما فيه من قوَّةٍ، وجبروت لإعلاء شأن الكشفيَّة.
فقد أسَّس في الفوج اتَّحاد الشابَّات والمرشدات عام 1947م، بعد اتَّصاله بمفوَّض منطقة حلب، الأستاذ الفاضل نشأت ورَّاق، وفي 1/حزيران/ 1947م، حصل على ترخيص للمرشدات، باسم الفوج الأوَّل للمرشدات في سورية، وعُيِّنت الآنسة نجيبة مقديس يشوع عميدًا للفوج إلى جانب زميلات لها في القيادة هُنَّ: مريم مختار، نعيمة آروش، أنجيل بقَّال، وغيرهنَّ.

 

قيادة الفوج الأول للمرشدات بحلب. من اليمين: روزة طاشجي، نجيبة يشوع (عميدة الفوج)، منيرة طنطاق. من الخلف: ماري مقديس أنطون، جورجيت بقال، لورا افلاطون.

 

اتحاد الشابات، سنة ١٩٥٠ ، في الفوج الأول للمرشدات.

عشيرة الجوالة في الفوج السادس بقيادة عبد النور توكمه جي

 

وهكذا أصبح في حيِّ السريان فوجين للكشَّافة تابعين لمفوَّضيَّة حلب:
1 ـ الفوج الأوَّل للمرشدات.
2ـ الفوج السادس للكشَّاف.
وممَّا هو جدير بالذكر مشاركة المرشدات في مهرجان (احتفالات) عيد الجلاء في 17/ نيسان/ 1949م، إلى جانب الفرقة النحاسيَّة للفوج، وقد حملت العلم الوطنيَّ لسورية العريفة جورجيت بقَّال، وعلم الفوج الأوَّل العريفة إميلين طورو.
وبحلول العام 1950م، وضمن فعاليَّات الأنشطة والاجتماعات والمخيَّمات، تأسَّس اتِّحاد الشباب السريانيِّ (عشيرة الجوَّالة)، برئاسة السيِّد يعقوب رزوق نامق، ومساعده عبد النور بطرس توكمه جي، اللذين عملا مطوَّلًا في الحقل الكشفيّ من دون كللٍ أو مللٍ.
ونظرًا لما بلغه الفوجان من مكانةٍ ساميةٍ ومرموقةٍ في الدولة، وإثر إقامة مخيَّمٍ كشفيٍّ عامٍّ لكشَّافة ومرشدات منطقة حلب صيف عام 1951م في باحة مدرسة الأخوَّة بحلب (شمبانيا)، تفقَّد المخيَّم رئيس المكتب الكشفيِّ الدوليِّ الكولونيل نيلسون، الذي كان بزيارةٍ لحلب، وأعُجبَ بما قدَّمه كشَّافة ومرشدات فوجنا، من تمثيلٍ ومنولوجٍ وعزف موسيقا، خلال حفلة السمر في المخيَّم، وطلب زيارة مقرِّ الفوج شخصيًّا، الذي كان بمنزل بيتر دوغرمجي، وخلالها أثنى على المسؤولين، وقدَّم للفوجين شهادة تقديرٍ كلًّا على حدةٍ.

للاطلاع على الأناشيد

صفحة الأناشيد1

صفحة الأناشيد2

في العام 1952م انتقل مقرُّ الفوج من بيت بيتر دوغرمجي إلى صالةٍ تحت الكنيسة، سُمِّيت (بيت الكشَّاف)، فكنَّا نجتمع فيها مساء كلِّ يوم جمعة، وكنت حينها جرموزًا في فرقة الجراميز الذي كان قائدها جان جبرائيل ياندم. وفي تلك السنة- أيّ عام 1952م- شاركت بأوَّل مخيَّمٍ مع زملائي الجراميز في منطقة الجبل بحيِّ السريان، حيث تعلَّمنا بالتلقين وخلال مدَّة أسبوع بعض الأناشيد السريانيَّة، وإذا بقائدٍ وسيمٍ طويل القامة، خرنوبيُّ الشعر، خمريُّ الخدود، ذو عينين شهلاء، صاحب حنجرةٍ ذهبيَّةٍ، يدعى بول كولي، يحضر المخيَّم لتدريبنا، وكان أوَّل نشيدٍ تعلَّمناه هو نشيد (ܟܢܽܘܫܬܐ ܕܝܠܝ̱) جمعيَّتي، وتلاه نشيد (ܒܳܕܘܩ̈ܐ ܣܘܪ̈ܝܝܐ) كشَّاف السريان، من دون أن نفهم معاني كلماتها.

وفي نهاية اليوم الأوَّل سألت القائد ما معنى هذه الكلمات؟ وقف بحيرةٍ أمامي، وتمتم مع قائد الجراميز بالتركيَّة من دون أن أفهم ما دار من حديث بينهما، لكنَّ القائد (بول كولي) بعد أكثر من خمس وعشرين سنةً عندما أصبحت إداريًّا في القيادة ومدرِّبًا للموسيقا، ذكَّرني بالحادث في المخيَّم وما دار من حوار لأجلي مهنِّئًا إيَّاي، وهكذا تعلَّمنا الأناشيد الواحد تلو الآخر مثل:

  • المدرسة.
  • انشر لغة الآباء.
  • أنشودة نار المخيَّم.

نشيد المدرسة للبطريرك (أفرام برصوم)، وكان شعر المخيَّم آنئذٍ العلم في الصغر كالنقش على الحجر.

إذ تعلَّمنا بهذا المخيَّم التدريبيِّ الصغير ستَّ أناشيد سريانيَّةٍ، كانت بالنسبة لي نواةً لتعلُّم أناشيد أخرى بالسريانيَّة والعربيَّة طوال خدمتنا الكشفيَّة بحلب، إذ كانت جلَها بمنزلة غذاءٍ روحيٍّ ووطنيٍّ، قوَّت الروح الوطنيَّة فينا وحبَّنا لسورية.
وفي الربع الأوَّل من عام 1954م، وبقرارٍ قياديٍّ واستمرارًا للأنشطة المعهودة، أُصدِرَت مجلَّةٌ كشفيَّةٌ تهتمُّ بأخبار الفوجَين والأبرشيَّة، إذ سُمِّيَت هذه المجلَّة (بصوت الكشَّاف)، وصدرت لسنواتٍ طوال، وعلى إثر مغادرة الملفونو يعقوب رزوق نامق حلب عام 1945م، لإتمام الدراسة في الجامعة الأمريكيَّة في بيروت، حصلت خلافاتٌ وانقساماتٌ عدَّةٌ آنئذٍ في الفوج لاستلام رئاستها، وفي النهاية عُيِّنَ السيِّد عبد النور بطرس توكمه جي المعروف بحبِّه وولائه لوطنه وفوجه وكنيسته.

وأولى مساعيه في العام 1954م، كانت تأمين صالةٍ تجمع صفوف شبيبة الكشَّاف والمرشدات في الحيِّ، وبعد اتِّصالاتٍ مكثَّفةٍ مع مسؤوليّ المجلس الملِّيِّ للطائفة، التي أثمرت بقرار منح صالة أوقاف الكنيسة الكائنة في منتصف الحيِّ مع غرفٍ ثلاثٍ لفوج الكشَّاف والمرشدات، وإسناد مسؤوليَّة إتمام النقصان فيها لهم. وبهمَّة القيادة وبعض أهالي عناصر الفوجين وتبرُّعاتهم، نُفِّذَت أعمال البناء الناقصة، من الكهرباء والمياه والبلاط وأعمال الزريقة البيضاء والنجارة في فترةٍ لم تتجاوز الأشهر الثلاثة، إذ أصبحت الصالة جاهزةً لاستقبال الكشّافة والمرشدات، إذ خُصِّصَ لكلِّ فرقةٍ يومٌ لعقد اجتماعاتها وأنشطتها الكشفيَّة وفق برامج محدَّدةٍ للاجتماعات، والمحاضرات وحفلات السمر وغيرها.

علمًا أنَّ الدولة كانت قد خصَّصت مخصَّصاتٍ ماليَّةٍ لكلِّ فوجٍ عن طريق مفوَّضيَّة كلِّ منطقةٍ، ووفق خطط المفوَّضيَّة اشتُرِيَ طابقٌ للمفوَّضيَّة في حيِّ محطَّة بغداد، يتضمَّن خمس غرفٍ وصالةٍ، ونادٍ لكشَّافة الفوج الثاني بحيِّ الجميليَّة، وأخيرًا اشتُرِيَ طابقٌ أرضيٌّ مؤلَّفٌ من ثلاث غرفٍ وصالةٍ مع منتفعاتٍ كاملةٍ في حيّ السريان للفوج السادس أمام إدارة الجمارك، حيث دُشّنت بحضور المطران مار ديونيسيوس جرجس قس بهنام، وعميد الفوج السادس عبد النور توكمه جي، وبرئاسة المفوّض محمَّد يحيى رائف.
وبمساعٍ حميدةٍ من عميد الفوج جرت في عهده اتِّصالاتٌ عدَّةٌ مع الأفواج السريانيَّة الأخرى، في سورية ولبنان وإيران إلى جانب مساعي صديقه الأستاذ جان باسيل كلور، رئيس نادي الشهباء الرياضيِّ بحلب، في الاتصال مع الأندية الرياضيَّة السريانيَّة حول إقامة أوَّل مهرجانٍ كشفيٍّ رياضيٍّ للسريان لمدَّة 15 يومًا، وتقرَّر يوم الافتتاح 7/ أيَّار/ 1956م، في الملعب البلديِّ بحلب، تحت رعاية محافظ حلب وبحضور نيافة الحبر الجليل مار ديونيسيوس جرجس قس بهنام مطران أبرشيَّة حلب وتوابعها، وبمشاركة آلاف الكشَّافة والمرشدات والجوَّالة والجراميز والفعاليَّات العائدة للأندية الرياضيَّة السريانيَّة في سورية ولبنان وإيران.

صورة شعار المهرجان

توزيع الكؤوس على الوفود المشاركة

وفي اليوم الأخير من إقامة المهرجان قُدِّمَ عرضٌ كشفيٌّ ورياضيٌّ، بحضور جميع الأفواج والأندية الرياضيَّة والفرق النحاسيَّة الموحَّدة التي قادها القائد الكشفيُّ الموسيقيُّ بول كولي، وفي نهاية العرض وُزِّعَت الشهادات والكؤوس الفضيَّة لكلِّ رؤساء الوفود المشاركة في هذا المهرجان الرائع والناجح، وقد تصدَّرت عناوين الجرائد والمجلَّات الكشفيَّة والرياضيَّة بحلب أنباء الاحتفال، وعُرِضَت بعض الصور إلى جانب مقالات الصحفيِّين الحاضرين من الجزيرة السوريَّة وحلب ولبنان وطهران.
أمَّا الأنشطة التي كانت تُقَامُ، فأغلبيَّتها يعود لنواحٍ اجتماعيَّةٍ وفنِّيَّةٍ من دون الاهتمام بالشهادات الكشفيَّة على المدى الطويل، أيّ من عام 1943م حتَّى العام 1974م، لم يحمل شهادة الدرجة الثانية في الفوجين، سوى عشرة كشَّافةٍ ومرشداتٍ، وأعتقد أنَّ هذا التقصير كان من قبل المسؤولين أنفسهم خوفًا على مناصبهم بابتعادهم عن المفوَّضيَّة بصورةٍ دبلوماسيَّةٍ معهودةٍ.

لمشاهدة هذا المهرجان:

الجزء الأول
الجزء الثاني
الجزء الثالث
الجزء الرابع
الجزء الخامس والأخير

إنَّ التقاليد الكشفيَّة لا تُعدُّ ولا تُحصَى، لكن لكلٍّ منها نكهةٌ ومناسبةٌ خاصَّةٌ بها ينتظرها العنصر في كلِّ وقته وزمانه. على سبيل المثال، كانت حفلة ذكرى تأسيس الفوج في العشرين أيلول من كلِّ عامٍ، إذ كان الجميع يتسابق لتقديم نموذجٍ جديدٍ لرقصةٍ تراثيَّةٍ أو تمثيليَّةٍ هزليَّةٍ أو اجتماعيَّةٍ هادفةٍ، وتتضافر الجهود جميعها من إلقاء الكلمة وأداء النشيد الوطنيِّ بالسريانيَّة أو العربيَّة، أو تقديم منولوجٍ غنائيٍّ مسرحيٍّ هادفٍ، أو تقديم بعض الألعاب الكشفيَّة الهادفة التي كان الجميع يعمل طوال شهرين ونيِّف، لأجل تقديم أجمل وأحلى أمسيةٍ كشفيَّةٍ يتباهون فيها أمام ذويهم وأصحابهم وأهلهم، وما هو جدير بالذكر حضور مفوَّضيَّة الكشَّاف ورئيس أبرشيَّة حلب للسريان الأرثوذكس مع ممثِّلين عن الجمعيَّات الخيريَّة والأندية الرياضيَّة.

منولوج غنائيّ مسرحيّ

منولوج غنائيّ مسرحيّ

أمَّا المناسبة الأخرى التي كانت تحذو حذو حفلة ذكرى تأسيس الفوج، هي من التقاليد المهمَّة في حياة الفوج، كإعداد أمسيةٍ ترفيهيَّةٍ تتضمَّن بعض المسرحيَّات الدينيَّة التي تعبِّر عن ميلاد السيِّد المسيح في بيت لحم، والرقصات التعبيريَّة الفولكلوريَّة، وتوزيع الهدايا على فرقة الجراميز، وتناول بعض المأكولات والمرطِّبات. كلُّ هذه الفعاليَّات كانت تُقام في ليلة الميلاد، وفي الساعة الرابعة من الصباح الباكر يتَّجه الحضور كافَّةً إلى الكنيسة لحضور صلاة عيد الميلاد المجيد صبيحة 25/ كانون الأوَّل، وهذا تقليدٌ يتكرَّر سنويًّا، لا غنى عنه إطلاقًا.
ممارسة التقاليد الكشفيَّة لها وجهٌ خاصٌّ ونكهةٌ خاصَّةٌ، فالتمثيل على المسرح يتطلَّب مهارةً الممثِّل وحركاته وأداءه، والكاتب بأسلوبه الكتابيِّ المألوف ووفق التمثيليَّة المقدَّمة أكانت اجتماعيَّةً أم فكاهيَّةً أم هزليَّةً وأحيانًا قد تكون تاريخيَّةً، فتتطلَّب تدريبًا كافيًا لتقديمها على خشبة المسرح، والكشَّاف إلى جانب المرشدة خير من يقدَّمان لأداء هذه الأدوار في المناسبات، التي يُشتَرَطُ تقديمها على أحسن ما يرام.

ومن التقاليد أيضًا، حضور المخيَّمات الكشفيَّة التدريبيَّة التي تهدف إلى تنشئة وإعداد الأجيال ضمن مناهج خاصَّةٍ معمولٍ بها، بإشراف القادة الذين لهم خبراتٌ واسعةٌ في هذا المضمار. وأذكر أحد المخيَّمات العائدة لفَوجَينا عام 1982م، في منطقة مشتى الحلو، وباشتراك نحو ثمانين كشَّافًا ومرشدةٍ، حيث تدرَّبوا على أحسن ما يرام من التدريب والأداء الجيِّد والعمل الدؤوب من دون كللٍ أو مللٍ من قِبَلِ جميع المشتركين. وفي اليوم الأخير من المخيَّم، ذكر أحد المشتركين أنَّه لَمُخَيَّمٌ رائعٌ لكثافة أعماله الرياديَّة اليوميَّة، وتحمُّل المشاقِّ بكلِّ رحابة صدرٍ في سبيل النجاح والتقدُّم نحو الأفضل، بما يُرضي النفس واللّه معًا.

تجديد الفرقة النحاسية في الفوج، بقيادة الملفونو فهمي طوبال. ١٩٧٧

مسير الفرقة النحاسية للفوج في الحي ١٩٨٥

عصر نهضةٍ وانفتاحٍ:

على إثر استقالة عميد الفوج عبد النور بطرس توكمه جي، لأسبابٍ صحيَّةٍ، عُيِّن القائد جورج يعقوب قمر خلفًا له كعميدٍ للفوج، بقرارٍ من رئاسة كشَّاف سورية، الذي كان يحمل شهادة الشارة الخشبيَّة، والقائد ثريَّا يعقوب طاشجي، عميدًا للفوج الأوَّل للمرشدات، وفي عهدها بلغت الأنشطة الطلَّابيَّة أوجها في المجالات التربويَّة والاجتماعيَّة والفنِّيَّة كافَّةً.

اعمال ريادة مخيم مشتى الحلو ١٩٨١

اعمال ريادة، كشافة ومرشدات الفوج ١٩٨٠

 

ففي الاجتماعات أعطت الصافرة الكشفيَّة مفعولها العمليَّ والفعليَّ، تجمَّع، توقَّف، تنبَّه، هَروِل، وفق نوع الصافرة التي يطلقها القائد، لعب الحبل دورًا هامًّا في التدريبات من العقد والربطات والدورات إلى ضفرها، لصنع بوَّاباتٍ للمخيَّم. والوتد الحديديِّ وعمود الخيمة لم يهدأ، حاملين حماسة الكشَّافة والمرشدات في صنع نماذج، كالسواري والأبراج وطاولات الاجتماع ومطافئ النيران، ثُمَّ تبديلها إلى نماذج أخرى وبعد الانتهاء من أخذ الصور التذكاريَّة حولها، وغدت عصا الكشَّاف مرشدًا للسير وسجلًّا يُدوَّن عليه بعض الرموز السرِّيَّة للعودة إليها في الرحلات الخلويَّة، أمَّا الأخشاب الطويلة كانت تُحاكي الكشَّافة والمرشدات، لنصبها كبرجٍ جيِّدٍ صمَّمه أحد طلَّاب الهندسة المدنيَّة أو المعماريَّة، يُرفَعُ في أعلاه علم الوطن والفوج لتحيَّتهما كلَّ صباح ومساء. كذلك صندوق الإسعاف الذي يسارع إليه أحد المختصِّين، لفتحه واستعماله في حال حدوث إصابةٍ طارئةٍ، حتَّى دفاتر النوطة الموسيقيَّة التي امتلأت صفحاتها بالأناشيد الوطنيَّة، تُفتح ليلًا حول نار المخيَّم لقراءتها قراءةً لحنيَّةً، ليتذكَّر كلُّ عازفٍ دوره وفق آلته التي يعزف عليها اللحن.

الفرقة الموسيقيَّة النحاسيَّة للفوج، التي تجدّدت في عهد عميدها جورج قمر، وذلك بجهود وتشجيع ودعم مادّيّ لسنوات عدّة من السادة الوجهاء الأفاضل: زكي خربوطلي، حنّا الاجه جي، سليم قولتقجي، والمهندس عبد النور كلو، وقد بلغ عدد عازفيها وعازفاتها 65 عضوًا، والتي غدت إحدى الفرق النحاسيَّة التي يُشَار إليها باعتراف المفوَّضيَّة ومدرِّبي فرق الجيش والشرطة والشبيبة، ولم تمضِ سنواتٌ على استلامهما الفوجين، إذ بنخبةٍ جديدةٍ من عناصر الكشَّافة والمرشدات يحملون الشهادات الكشفيَّة المختلفة، على سبيل الذكر لا الحصر:

درجة مبتدئٍ، (200) عنصرٍ.
درجةٌ ثانيةٌ، (26) عنصرًا.
إدارة قادة، (10) عناصر.
درجةٌ أولى (4) عناصر.
تمهيدي شارة، (4) عناصر.
شارةٌ خشبيَّةٌ، (1) عنصر.
هذا وقد بلغ عدد المنتسبين إلى الفوجين كالتالي:
أشبال (جراميز)، (150) شبلًا.
زهرات، (100) زهرةٍ.
كشَّافة، (120) كشَّافًا.
مرشدات، (120) مرشدةً.
جوَّالة، (50) جوَّالًا.
قادة فرقٍ، (20) قائدًا وقائدةً.
قادة فوجٍ، 4 قادةٍ.
عُمُد، (2) عميدٌ وعميدةٌ.
لجنةٌ مركزيَّةٌ (1) قائد أنشطةٍ.

وكتاب (حلب في مئة عام) لمؤلِّفَيه فؤاد عنتابي ونجوى عثمان، ذكرا عصر النهضة للفوجَين الكشفيَّين في الصفحة 53 الجزء الثالث، الأنشطة العامَّة والرحلات والمعسكرات التي أُقيمت داخل القطر وخارجه، ودام هذا العصر من عام 1975 إلى 1990م، كما ذكر أيضًا الأستاذ يوسف نامق، بعضًا من هذه المعلومات في كتابه (القافلة الأخيرة).

وهنا لا بُدَّ أن نذكر تباعًا القادة الذين خدموا الفوجين السادس للكشَّاف والأوَّل للمرشدات بجدٍّ وإخلاصٍ، لما بذلوه من جهودٍ مشكورةٍ وتضحياتٍ جسامٍ في سبيل تقدُّم الكشفيَّة في حيِّ السريان خاصَّةً وحلب عامَّةً، كي يعطوا للملأ فكرةً وبلاءً حسنًا عن وجودهم في هذا القطر الحبيب، ويبرهنوا للعالم أجمع مدى محبَّتهم وولائهم للوطن العزيز سورية، ولا يسعنا في هذا المضمار إلَّا أن نذكر أسماءهم بحسب سنوات الخدمة كقادة فرقٍ، كقادة أفواجٍ، وعُمُدٍ.

قادة الفرق في الفوج السادس:
فهمي طوبال، بيير خوري، خاجيك مختار، جان ياندم، صليبا أفريم كلاح، جوزيف توكمه جي، جوزيف إيواز، فهمي توكمه جي، جان أودول، بيير توتونجي، حنّا دكرمنجي، سمعان شاهان، سمير بطرس دكرمنجي، عزيز جرجي جولجي، الدكتور المهندس منير جرجي ألاجه جي، زهير بصمه جي، إيليا سعادة، نوري قانونجي، جورج نوري نجّار، سركيس أجناس، سمير بصمة جي، باسيل ساعاتي، جاك رسّام، ريمون جاي أوغلي، أفرام مقصود، جورج باندو.

قادة الفوج:
شكري جميل شربتجي، جورج سيفري، جورج ألتلي، بيدروس مقديس موسو.

عُمُد الفوج:
حزقيال طوروس، يعقوب نامق، عبد النور توكمه جي، جورج قمر، بيدروس مقديس موسو، ريمون جاي أوغلي، إبراهيم لحدو.

 

الشارة للملفونو جورج قمر، عميد الفوج 1975- 1990 .

 

الفوج الأوَّل مرشدات:

قائدات الفرق:

1. جورجيت عبد النور بقَّال، لورا أفلاطون، كاترين إسكندر، نعيمة آروسن، شميرام كهله جي، لوسين طنطاق، جانيت طاشجي، هيلدا طورو.

قائدات الفوج:
إميلين طورو ايفيت خوري.
عميدات الفوج:
نجيبة مقديس يشوع مريم مختار، أنجيل بقَّال كوليت طورو، ثريَّا طاشجي.

 

جلوس يمين : مريم مختار(عميدة الفوج) ، اميلين طورو
وقوف يمين : كاترين اسكندر ، لورا أفلاطون ، جورجيت بقال .

 

المراسم الرسميَّة:

منذ تأسيس الفوجين ولتاريخه، لم تقصر أيَّة قيادة في الفوجين عن المشاركة والإسهام في إعداد المراسم الرسميَّة، لكلِّ من زار الفوجين خلال العقود المنصرمة، وهنا أودُّ أن أذكر اشتراك الفوجين في أغلبيَّة المراسم والاستقبالات منذ تأسيسهما.
صور استقبال المطارين والبطاركة والقيادة.
– استقبال نشأت ورَّاق، مفوَّض منطقة حلب.
– استقبال نيلسون، رئيس المكتب الكشفيِّ الدوليِّ.
– استقبال محمَّد يحيى رائف، مفوَّض منطقة حلب.
– استقبال مارفيليكسينوس يوحنَّا دولباني.
– استقبال مار غريغوريوس بولس بهنام.
– استقبال المفريان مار باسيليوس أوجين الأوَّل.
– قداسة البطريرك مار إغناطيوس أفرام الأوَّل برصوم.
– استقبال قداسة البطريرك مار إغناطيوس يعقوب الثالث.
– استقبال المطران صموئيل يشوع مطران كندا وأمريكا.
– المشاركة بحضور رِسَامة المطران طيمثاوس أفرام عبُّودي -بيروت.
– المشاركة بحضور رِسَامة المطران مار غريغوريوس يوحنَّا إبراهيم – حلب.
– المشاركة بحضور رِسَامة البطريرك مار إغناطيوس زكَّا الأوَّل عيواص.
– استقبال البطريرك زكَّا عيواص بحلب والطبقة والرقَّة.

المعسكر في المحافظة وداخل القطر:

المعسكرات الكشفيَّة التي تقام وأقيمت خلال السنوات المنصرمة، كانت الغاية منها إعداد الفرد إعدادًا كاملًا، من حيث التدريب والاطِّلاع وحفظ المناهج والبرامج التي كانت تُعدُّ لهم من قبل القادة، وهي من أفضل الوسائل التدريبيَّة للعنصر، وخلال مدَّةِ المعسكر الذي يمتدُّ تدريبه نحو عشرة أيَّامٍ ضمن برنامجٍ مكثَّفٍ، وعلى سبيل الذكر لا الحصر، نذكر هنا المناطق التي أُقِيمَت المعسكرات فيها وفق قِدَمِ السنين:

• معسكر منطقة عين التلّ.
• حيّ السريان بحلب.
• جبل الأربعين.
• الباسوطة.
• القِنيَة.
• اليعقوبيَّة.
• مشتى الحلو.
• كسب.
• الجديدة.
• رأس البسيط.
• الزبداني.
• البدروسيَّة.
• الكفرون.
• صلنفة.
• الزويتينة.
• بملكى.

المعسكرات العربيَّة والدوليَّة:

نذكر أسماء البلدان التي اشترك فيها الفوجين السادس للكشَّاف والأوَّل للمرشدات في البلاد العربيَّة والأوروبيَّة:
1. المعسكر العربيُّ في الزبداني – سورية.
2. المعسكر العربيُّ في مصر.
3. المعسكر العربيُّ في المغرب.
4. المعسكر العربيُّ في لبنان.
5. المعسكر الدوليُّ في اليونان.

الرحلات الخارجيَّة:

شارك عناصر الفوجين من الكشَّافة والمرشدات الرحلات الخارجيَّة من القطر بعددٍ لا بأس به:
1. رحلة مصر.
2. رحلة لبنان.
3. رحلة المغرب.

 

صور من رحلة مصر

وفي أوائل العام 1991م، للأسف، توقَّفت الحركة الكشفيَّة في سورية، بسبب عدم دعمها قانونيًّا ومادِّيًّا. ونتيجةً لذلك تحوَّل الفوجين المرخَّصين إلى كشَّافٍ تابعٍ لمطرانيَّة حلب للسريان الأرثوذكس. واستمرَّ الفوجان في ممارسة أنشطتهما المعهودة، بقيادة كلٍّ من السادة: إيليا حجَّار، ريمون جاي أوغلي، إبراهيم لحدو.
وما زال الأخير يعمل في الفوج تحت غطاء المطرانيَّة، إلَّا أنَّه في هذه السنوات الأخيرة تقلَّص عدد المنتسبين إلى الفوجين، حيث أصبح هناك فوجٌ واحدٌ فقط، يجمع الكشَّافة والمرشدات، وتقلَّص حجم الفرقة النحاسيَّة بسبب عدم تدريس النوطة الموسيقيَّة، بل تحويلها إلى النوطة العربيَّة. ومن هنا نستنتج أنَّ مستوى الفوج في حالة انحدار وقلَّة نشاطٍ وعدد المنتسبين قد انخفض.
لقد مرَّ على تأسيس الفوج سبعًا وأربعين سنةً، انتسب وغادر منها المئات من العناصر والقادة الذين عملوا فيه بكلِّ جدٍّ وإخلاصٍ وتفانٍ، لتحقيق الهدف السامي منه، والذي يسعى إلى بناء الإنسان.
نعم اهتمَّت الكشفيَّة بتنمية شخصيَّة الفرد، وقتل روح الأنانيَّة فيه عن طريق الخدمة العامَّة وتنمية الإحساس بالشرف والواجب، والعمل من أجل المجموع واحترام حقوق الآخرين. حبُّ الغير والشعور بإحساسه، عمل الواجب للواجب، وليس في سبيل نفعٍ خاصٍّ، وبهذا تكون الكشفيَّة قد خلقت جيلًا مُدركًا لحاجات بيئته وبلاده، لديه القدرة للمحافظة على الثروات، ومجهِّزًا بالوسائل اللَّازمة، لتحقيق هذه الاحتياجات التي هي: الإيمان – العلم – اللِّياقة البدنيَّة.

وأخيرًا، التعارف الذي حصل بين الكشَّافة والمرشدات خلال السنوات العابرة، خلق جوًّا يسوده المحبَّة والوئام والتفاهم المطلق، ممَّا أدَّى إلى نسبة زواج من الطرفين فاقت الـ 80% من العناصر بعضها مع بعض، وتُعدُّ خطوةً جبَّارةً منهم ومن القيادة، إذ تُدرج ضمن الأحداث الاجتماعيَّة التي تجري في أيِّ مجتمعٍ إنسانيٍّ هادفٍ إلى بناء الوطن عن طريق بناء الأسر.

 

قصيدة الرها

 

أسماء العائلات مع مكان الهجرة

أورفا
 إبراهيم، أبكار، آجي، أجناس، أرتين، أرسلان، استانبولي، أسطو، إسكندر، أشجي، أطمه جي، أغابولس، أفلاطون، ألاجه جي، ألتلي، آلو، ايميد، أودول، أوسطه جبور، أونجي، أوهان، أيسوط، أيشوع جولاق، إيواز، مقديس أروسن، مجي. بالجي، بالطة، بالقجي، بالي، بديك، برير، بربر إيبو، بريخو، بردقجي، برطولي، بريق، بشلي، بصمه جي، بقال، بك، بلد، بورني بيوك، بولص، بوظو، بونجي، بيانجي، بيبار بيدان، بيدروس، بيدروش، بيره جكلي، بيشار. ترزي، ترزي سلطان، تفراد سلطان، تككوز توتونجي، توكمه جي، توما، تيلبه، جالق، جاني، جاني أوخلي، حبلي، جبوري، جرجي، جقال، جقو، جنجل، جنكرجي، جوربجي، جولاق، جولجي، جولو، جيجك، جيدو، حجار حزوان، حكيم، حلاق، حلجي، جبور، حمال، حمامجي، حنا. خدو، خسنه، خضر، خوام، خوري، خوري عبد الله، خياط، دراقجي. دحجي، دحلان، دكرمنجي، دِللَّان، ده بو، دوداق، دودوش، دوعه، دولي، دياربكرلي، رسام، زرطل، زمرود، زيادة، زيارات، ساعاتي. ساعتجي، ساعور، ساعور عبد الله، سبلجي، سعادة، سفر، سكاب، سمعان، سوقجي، سيوري، شامو، شاهان، شاهزادة، شدتلي، شدياق، شربتجي، شربجي، شربو، شربو أبو، شكرجي، شكري، شكور، شلاح، شلون، شماس، شماس شمعون، شوكر، شيار، صاريك، صاغر، صاللاما، صادوق، صغير، صمصتلي، صموئيل، صولاج، صوه جي، ضبطية. طاشجي، طاغجي، طحان، طرقجي، طنطاق، طوبال. عبد النور، عبدي، عجمي، عطار، عكل، عمانوئيل، عملو، عيواز، غزال، غزال أوغلي. فرنكول، فريك، فستقجي، فلاح. قارطو، قازان، قاطرجي، قانونجي، قباقولاق، قس، قس ابلق، قس برصوم، قس بطرس، قس يوسف، قمر، قهوجي، قولاق، قيقرلق، قيومجي، كربوش، كردو، كرموشلي، كساب، كال، كلاح، كللو، كلور، كمانجي، كهترجي، كوركجي، كوزكوز، كولى، كيراكوس. للوح، ماناز، مانوق، مختار، مرقس، معلم، مفديس افريم، مقديس أنطون، مقديس موسو، مقصود، منوفر، مهاجر، موسى، ناظار، نامق، نقاس، هارون، هادو، وكيل، ياندم، يعقوب، يوسف، يوغ.

ديار بكر
عبدي يشوع، قومي.

سيورك
اعمى، جراح، جرجي، حدورلي، درقجي، ديندار، سيوركلي، طوروس، عبد النور، قوندقجي، كيراكوس، مدكر، منوفر.

ماردين
دولي، قاطرجي، قريو، قس الياس، ناشف، يغمور.

أضيمن
أرسلان، باندو، بولص، كوسا.

أسماء العائلات الرهاوية التي سكنت منطقة عين العرب بعد الهجرة
ابراهيم جرجي، ابراهيم ساكو، آبو مقديس، أستور برصوم كالوس، اسحق حقو، اسكندر قانونجي، أمين كوسان، باسيل أكيدباش، باسيل يعقوب ساعاتي، بشير قانونجي، بطرس سفر، بطرس صاغر قصاب، بطرس كال، بطرس وكيل، بهنام قباقولاق، بوغوص باندك، بولص ساكو، بولص مختار، جان صامصاتلي، جرجي حقو، جرجي غزال، جرجي كال، جرجي هواكيم أونجي، جرجي يعقوب توكمه جي، جرجي يعقوب ساعاتي، جميل صامصاتلي، جورج شماس، جورج قانونجي، حبيب شماس، حنا قازار، خاربورجي بولص، رزوق كلور طوبال، رشاد شماس، ساكو طاغجي، سركيس باندك، سعيد كوسان، سليم حنوش، سمعان يعقوب توكمه جي، شاكر باندك، شفيق مقديس، صليبا خوجه شماس، عبد العزيز كوسان، عبد المجيد طاغجي، عبد المجيد قره بيت شماس، عبود فرنكول، فهمي يعقوب ساعاتي، قازار دامرجي، قره بيت سيفر كلي، كيراكوس باندك، كيراكوس كوسان، مفتي عزيز شماس، منوفر أوهان، نجار عبد العزيز عبد العزيز، نوري صامصاتلي، نوري يعقوب توكمه جير، يعقوب باندك، يعقوب جرجي، يعقوب حقو، يعقوب طحان بوغوص، يعقوب قازار، يعقوب يوسف توكمه جي، يوسف باندك، يوسف غزال، يوسف موسى فران، يوسف يعقوب توكمه جي.

التدقيق اللغوي لمقالات الملفونو جورج قمر: الآنسة هبة سراج الدين.

نشيد مدرسة بني تغلب الثانية. شعر سرياني موزون و مقفّى.

 

 

 

 

 

 

نشيد الوداع

 

 

 

الحواشي

  1. عدد العائلات النازحة إلى حلب، هو 650 عائلةً سريانيَّةً رهاويَّةً، وهنا نذكر أسماء العائلات وفق جدولٍ مرتَّبٍ ترتيبًا أبجديًّا. (ملحق العائلات في أسفل البحث)
  2. راجع قاموس اللُّباب، للأباتي جبرائيل القرداحي، ص 14. قاموس أوجين منَّا للمطران منَّا، ص 9.
  3. رسالة أبجر للمسيح، كنائس الرُّها، طبعة باريس 1800.
  4. صورة من أسماء الأساقفة في كتاب (تقلَب) لدى السريان.
  5. نُقِلَت شفاهًا من قِبَلِ كلٍّ من يوسف نامق، إسرائيل يوسف، أفريم وهابيل قمر وأيضًا إبراهيم قمر المقيم في مصر. لا ضرورة لذكر أسماء من تسبَّبوا في الهجرة، لئلَّا نتسبب في خلافات بين أبناء الرعيَّة.
error: